كنت في الثامنة من عمري عندما دعتني صديقتي ابنة الجيران لتمضية بعض الوقت في اللعب معها في منزلهم القريب من منزلنا ,وقد سمحت لي والدتي بالذهاب اليها بسرور لتمضية ساعات الصيام بيسر وسهولة ’,فقد كان الزمان وقتها شهر صيام وكنا نتتوق لساعة الافطار, ونرهقها بسؤلنا  عن الوقت المتبقي لساعة السرور تلك .



وفوجئت بصديقتي تتناول الطعام في منزلها بكل ثقة ,وأجبتني على تساؤلي مبتسمة :

أنا أتناول الطعام عندما تكون أمي خارج المنزل, ولكن عندما تكون هنا لاآكل شيئا.

وتناولت معها الفاكهة وقد أقنعتني أننا مازلنا صغارا وسنصوم عندما نكبر ولكن لابأس من أن يظن الأهل اننا صائمات حقا.

وعدت الى المنزل ومعي سري الكبير, وبدأت النقنقة من الثلاجة ومن المطبخ بعيدا عن رقابة الأهل.
وفي ظني أنني أسجل بطولة في عون افراد عائلتي دون أعاني من آلام الحرمان وظننت أن الأمر كسبا وربحا .

ولمحتني أختي أتناول حبات الفول من القدر فصرخت متسائلة: أأنت مفطرة وتمثلين علينا؟
وتصنعت النسيان فلم تصدقني , فقد اعلن وجهي عن فعلتي ووشت بي ملامحه , وطارت أختي نحو والدتي تبشرها بما جرى كأنها نالت كنوز مصباح علاء الدين ,ومن ثم عرضت عليها قشور حبات الفول التي رميتها في سلة المهملات وكشف أمري وتغير لوني وأنا أقول لوالدتي بخوف

لا ياأمي لا تصدقيها أنا مازلت صائمة

وقبطت والدتي جبينها متألمة وقالت لأختي الصغيرة :
عندما تقول أختك أنها صائمة فهي كذلك ,فأختك لا تكذب فهي لا تكذب أبدا فهي تعلم أن الله يراها وانه سيحاسبها على أعمالها يوم القيامة .






ولم أكن بحاجة لأن أقنع نفسي بأن والدتي عرفت القصة ولكنها أرادت تلقنني دراسا هو أجمل دروس حياتي هو أجمل دروس العمر.
أصابنا ندما شديدا وقتها وتأملت طويلا ,وكنت أشعر بالخجل كلما تذكرت القصة فقد كنت متأكد أنني خنت ثقة والدتي بي , وأنني سأقضي وقتا طويلا لأستعيد مكانتي لديها , وأنني سلكت درب المنافقين عند ربي ونسيت انه مطلع علي ,وأن هناك من يسجل علينا الحركات والسكنات .
ووصلت الى مكان يشبه مكان والدتي في ذلك الزمان ,ورأيت أن رحمتها وحكمتها هما سر تغافلها عني وقتها ,وعزمت أن أكون مثلها في منح الثقة للصغار والاعلان عن هذا في كل حين ,وحينها سيحملون هموم أنفسهم بأنفسهم ,وسيجهدون للحفاظ على تلك مكانة في عيني , مع التذكير اللطبف بأن الله يؤاهم وهو معهم اينما كانوا, وقبل هذا أن أزرع في نفوسهم محبة الله سبحانه وتعالى .
لم أعد لفعلتي تلك مطلقا ’وقد بات النفاق منذ ذلك اليوم ألد عدولي , وقد ازددت تعلقا بوالدتي وحبا لها , وقد رأيت ثقتها ورحمتها الكبيرة بنا وتجاوزها عن هناتنا .

رعاك الله ياأمها , وجعلك من أهل الصلاح والفلاح , وأجزل لك العطاء ’ وأبدلك برحمتك بنا ونحن صغار رحمات واسعة في الدنيا والآخرة .