ما هي قصة هذه المقولة الشهيرة ؟ 

( دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا ) 

يُحكى أن هناك تاجر من مدينة الموصل في شمال العراق ، وهذه القصة وقعت بمطلع القرن الماضي 

وذاك التاجر صاحب خلقٍ ودين وإستقامة ، وكثير الإنفاق على أبواب الخير من الفقراء والمعوزين وباني المساجد ومشاريع الخير . 


فلما كبرت به السن ، وكان له ولد وبنت ، وكان كثير المال وذائع الصيت ، أراد أن يسلّم تجارته لإبنه ، حيث كان التاجر يشتري من شمال العراق الحبوب والأقمشة وغيرها  ويبيعها في الشام ، ويشتري من الشام الزيوت والصابون وغير ذلك ليبيعه في العراق . 



وبعد أن جلس مع إبنه وأوصاه وعرّفه بأسماء تجار دمشق الصادقين ، وأوصاه بتقوى الله إذا خرج للسفر ، قال له : 

( يا بني ، والله إني ما كشفت ذيلي في حرام ، وما رأى أحدٌ لحمي غير أمّك ، يا بنيّ حافظ على عرض أختك بأن تحافظ على أعراض النّاس ) . 


وخرج الشاب في سفره وتجارته ، وباع في دمشق واشترى وربح المال الكثير ، وحمّله تجّار دمشق السلام الحار لأبيه التاجر التقيّ الصالح .


وخلال طريق العودة وقبيل غروب الشمس ، حطّت القافلة رحالها للراحة ، أما الشاب فذهب يحرس تجارته ويرقب الغادي والرائح ..

وإذا بفتاة تمرّ من المكان ، فراح ينظر إليها ، فزيّن له الشيطان فعل السوء ، وهاجت نفسه الأمّارة بالسوء ، فاقترب من الفتاة وحاول أن يمسك يدها بغير إرادتها ،


لكنه سرعان ماانتبه الى فعلته وتيقّظ ضميره ، وتذكّر نظر الله إليه ، ثمّ تذكّر وصية أبيه ، فاستغفر ورجع إلو قافلته نادماً مستغفراً .


أما في الموصل ، وحيث الإبن ما زال في سفره الذي وقع فيه ما وقع ، كان والده في بيته يجلس في علّيته وفي زاوية من زواياها ، وإذا بساقي الماء الذي كان ينقل إليهم الماء على دابته يطرق الباب الخارجي لفناء البيت ، وكان السّقا رجلاً صالحاً وكبيراً في السن ، واعتاد لسنوات طويلة أن يدخل البيت ، ولم يُرَ منه إلا كلّ خير .


خرجت الفتاة أخت الشاب لتفتح الباب ، ودخل السقا وصبّ الماء في جرار البيت بينما الفتاة عند الباب تنتظر خروجه لتغلق الباب ، وما أن وصل السقا عند الباب وفي لحظة خاطفة زيّن له الشيطان فعل السوء ، وهاجت نفسه الأمّارة بالسوء فالتفت يميناً وشمالاً ، ثمّ مال الى الفتاة وأمسك يدها ، ثم مضى !


كل هذا والوالد جالس في زاوية من زوايا البيت الواسع يرى ما يجري دون أن يراه السّقا ، وكانت ساعة الصمت الرهيب من الأب ، ثم الإسترجاع أن يقول : ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ) ، ثم يقول : ( لا حول ولا قوّة إلا بالله ) 

وفكرَّ أنّ هذا السّقا الذي ما فعل هذا في شبابه كيف يفعلها اليوم ؟!

وأدرك أنّما هو دينٌ على أهل البيت ، وأدرك أنّ ابنه قد فعل في سفره فِعلة إستوجبت من أخته السداد . 


ولمّا وصل الشاب إلى بلده وبيته ، سلَّم على أبيه وأبلغه سلام تجّار دمشق ، ثم وضع بين يديه أموالاً كثيرة ربحها .

إلا أنّ الصمت كان سيد الموقف ، والبسمة لم تجد لها سبيلاً الى شفاه أبيه ، سوى أنّه قال لإبنه : هل حصل معك في سفرك شيء ؟

فنفى الإبن ، وكرّرها الأب ؟ ثمّ نفى الإبن ، إلى أن قال الأب : 

( يا بني ، هل اعتديت على عرض أحد ؟ ) 


فأدرك الإبن أن حاصلاً قد حصل في البيت ، فما كان منه إلا أن اعترف لأبيه ، ثمّ كان منه البكاء والإستغفار والندم 

عندها حدّثه الأب ما حصل مع أخته ، وكيف أنّه أمسك بيد تلك الفتاة بالشام ، فعاقبه الله بأن بعث السقا فأمسك يد أخته ، لأنها كانت دين عليه .


وقال له جملته المشهورة : 

( يا بُنيّ ، دقة بدقة ، ولو زدت لزاد السقا ) 


أي أنّك أمسكت يد تلك الفتاة مرة ، فأمسك السّقا يد أختك مرة ، ولو زدت لزاد ، ولو فعلت أكثر من ذلك لفعل .


ثق تماماً وكن على يقين بأن ما فعلته بالناس سيُفعل بك ولو بعد حين .


( البر لا يبلى ، والذنب لا يُنسى ، والدَّيان لا يموت ، إفعل ما شئت ، كما تَدين تُدان  )