في القرن الخامس الهجري عاشت مناطق جنوب المغرب الأقصى في جهالة كبيرة، وظهر فيهم متنبئون وانحرافات خطيرة، وتفرق الناس إلى طوائف متناحرة، حتى هيئ الله لهم فقيه مغربي اسمه: عبد الله بن ياسين نمت على يديه نواة الدولة المغربية العظيمة: دولة المرابطين.


بدأ المرابطون في توحيد بلاد المغرب على النهج الإصلاحي الجديد، وتصادموا مع أمير أغمات لقوط المغراوي ثم تمكنوا من قتله في تادلا، وتزوج أمير المرابطين أبو بكر اللمتوني من أرملته الحسناء زينب النفزاوية، غير أن زواجهما لم يدم إلا ثلاثة أشهر فقط، فقد اضطر أبو بكر إلى الذهاب جنوباً لمعالجة بعض الاضطرابات، وأشفق على زينب من الذهاب معه في الصحراء، فطلقها وأوصاها بالزواج من ابن عمه وخليفته على بلاد المغرب يوسف ابن تاشفين.



ولما تولى يوسف بن تاشفين بلاد المغرب أظهر من السياسة والقوة والحكمة ما جعله المؤسس الثاني والشخصية الأهم في دولة المرابطين، فاتسع ملكه وتوحدت المغرب والأندلس تحت سلطانه بعد المعركة الخالدة "الزلاقة" التي أنقذ بها الإسلام في الأندلس لمائة عام على الأقل.





كانت زينب حاضرة مع زوجها طوال هذه المسيرة، ويشهد المؤرخون بأنها: "حازمة لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور"، و"كانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب".


أما عن موقفها الأشهر الذي استطاعت به إنقاذ الدولة في لحظة عصيبة: حين رجع أبو بكر إلى المغرب بعد أن استقر له أمر الصحراء، وكان من البديهي أن يرجع أميراً للدولة، لكن هذا يهدد الانجازات الكبيرة لابن تاشفين والثمرة التي أوشكت على النضج على يديه، وكان ابن تاشفين يجد حرجاً من تمسكه بالحكم ونكثه لعهده مع ابن عمه، ويخشى من الفتنة والاقتتال إن تمسك أبو بكر بحقه.


أشارت زينب على يوسف بأن يتمسك بالأمارة، وبأن يستقبل أبا بكر خارج المغرب لتجنب أي انشقاقات داخلية، وبأن يكلمه من موقع الندّ لا التابع، وأن يكون خروجه في جيش كبير، ومعه الهدايا الكثيرة التي يهديها لابن عمه ليستعين بها على أمر الصحراء، وقد كان ما أشارت به، وفهم أبو بكر المُراد، وكتب لابن تاشفين عهد تجديد ولايته على المغرب، واستكمل هو طريق الدعوة وإكمال بناء الفرع الثاني من الدولة في الصحراء.


لقد صحت رؤية زينب في جدارة ابن تاشفين بالحكم عن ابن عمه، بالنظر إلى انجازات الرجلين، كما صحت رؤيتها في طريقة توصيل الرسالة وإنهاء الأمر في هدوء، وصحت رؤيتها في فهم طباع أبي بكر -وكان وَرِعاً يخشى سفك الدماء، وفي التعامل معه ومع رجاله بالرغبة (الهدايا) والرهبة (الجيش الكبير).



= مراجع :

- ابن الأثير ، الكامل في التاريخ

- ابن خلدون ، تاريخ ابن خلدون 

- محمد عمارة، التحرير الإسلامي للمرأة.