تُبصر العبرة وراء كل شيء ، فمثلًا إذا شتمك أحد تعلم أن اللّه قد سلطه عليك لاختبارك أنت، فتقول: "سبحانك تبت إليك"، فأنت لا تراه ولا تسمعه فلا ترى إلا قدر اللّه ومن ورائه حكمته، ويحيط بذلك كله لطفه سبحانه وتعالى، لو أن الناس فهمت ذلك لفازوا بسعادة الدارين، لكن الناس نسيت اللّه ونسيت حوله وقوته وتعتمد على حولها هي وقوتها، وعندما يشتمه أحد يعتبرها إهانة ولابد أن يردها مضاعفة، ولو تأنَّى وكان رده بالمثل أو لو صبر فهو خير له، قال تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ } ، يأخذ بيدك إلى الإحسان شيئًا فشيئًا.

لكن الحقيقة أن هذا الرجل لم يسبك ولم يشتمك ولا فعل شيئًا، ولكن اللّه يمتحنك وأنت ترسب في الامتحان كل مرة! فإذا سُئل كم مرة رسبت؟ يقول: ولا مرة . وهو يفشل مع اللّه كل يوم، يعطون في الكليات سنتين أو ثلاثة فرصة إعادة ثم يفصلونك، لكن ربنا يعطيك كم فرصة؟ مفتوحة إلى الغرغرة، انظر إلى سعة رحمة اللّه الواسع.


فلابد أن تجعل خُلُقك يغطي الخلق كلهم صالحهم وطالحهم، مؤذيهم ونافعهم، خيرهم وشرهم، فخُلُقُك لابد أن يسع الجميع فإذا جاء أحدهم يشتمك، أهل اللّه يعلمون أن هذا اختبار لهم فلا يأتون باللوم عليه بل على أنفسهم وتقصيرها، ويسألون أنفسهم : من الذي حرك لسانه بالأذية؟ ومن الذي حرك جوارحه بالبلية؟ هذا شيء مختص بي أنا، هل أنا فعلت شيئًا ،أو أن اللّه تعالى يريد أن يختبرني إذا كنت سأصبر أم لا ،أو يريد أن يرقيني ، إذًا هناك شيء يريده اللّه تعالى فـ(لا حول ولا قوة إلا بالله).

أ.د. #علي_جمعة