* الكريمان لا يختصمان *


يُحكى أن حكيماً من حكماء العرب كان مقصوداً محفوداً، يحتكم إليه الناس في الخصومات، ويستأنسون برأيه في الملمّات .


وكان الحكيم ذا مال كثير

 يذلل به العقبات بين المتصالحين ، 

ويؤنس به المحتاجين، لكنه لم يُرزق إلا بولد واحد فأحسن تربيته وتأديبه من صغره إلى أن شب رجلاً بين الناس !


وفي ذات يوم جلس الحكيم شارد الذهن، وأمارات الحزن بادية عليه ،

فسأله ابنه : ما بك يا أبتي ؟

وعلام أمارات الحزن بادية على محيّاك ؟ 

قال الحكيم : أما إني حين أفكّر أني سأصير إلى التراب ، وأنّ هذا البيت سيُغلق في وجوه المتخاصمين ، وليس من يقضي بينهم أحزن .


فقال ابنه : أطال الله عمرك يا أبي، وبعد عُمرٍ طويل أنا أقضي بين الناس، ولن يُغلق هذا البيت أبداً !

فقال الحكيم : أي بُنيّ، ما أنت فاعل إذا تخاصم عندك كريم وبخيل ؟*



فقال الولد : * آخذ من الكريم وأعطي البخيل*

* فإن الكريم ينفق على الناس من غير خصومة *

* أفلا يرضى أن ينفق وقد صار خصماً !*


تبسم الأب وبدت عليه علامات الإعجاب بولده على محيّاه ، ثم قال له من ثغر باسم :

 أخبرني * ماذا تفعل إن تخاصم عندك بخيلان ؟*


فقال : * أدفع من جيبي وأصلح بينهما *


فقال الأب وقد زاد إعجابه بابنه : * 

وماذا تفعل إذا تخاصم إليك كريمان ؟*


فقال الولد : يا أبتِ ..

* كريمان لا يختصمان *

 * وإن اختصما فساعة شيطان *

 * ثم يعود كلٌ منهما إلى أصله *

* فلا يحتاجان حكماً بينهما !*


قال الأب : أنت ابن أبيك، * ومن أنجب مثلك ما ضره لو مات من ساعته !*