‏في إحدى الليالي جاء أحد الجانّ للنبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يدعوه إلى أعالي جبال مكة لملاقاة قومه من الجنّ ، فوافق النبي وخرج معه أحد الصحابة في ليلة عظيمة سميت بـ : ( ليلة الجن )

 



فماذا حدث في هذا الليلة بالتفصيل ؟ 


‏في سورة الجنّ شرح الله سبحانه وتعالى لنا قصة إسلام الجانّ :

كان الجنّ قديماً تصلهم أخبار السماء ، فكانوا يتسلقون فوق بعضهم البعض حتى يصلون إلى السماء السابعة ، فيسمعون الأخبار ويعلمون بعض الأمور ، فيأتوا للكهنة والسحرة من البشر ويعطوهم هذه الأخبار .


‏لكن بعد أن بعث الله النبي عليه الصلاة والسلام للعالمين بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله باسمه وسراجاً منيراً ، ونزل عليه الوحي ، انقطعت أخبار السماء تماماً عن هذه المخلوقات النارية ، فجُنَ جنون إبليس وأعوانه ، وانتشروا بكل أقطار الأرض باحثين عن سبب انقطاع الأخبار عنهم فجأةً ؟!!!


‏حتى وصل نفرٌ منهم إلى سوق عكاظ ، وشاهدوا النبي وهو يصلي وخلفه أصحابه وهو يجهر بالقرآن ، لينير بهذا القرآن قلوب مخلوقات خلقها الله من أشد منطقة بالنار ..

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾


فلما سمعوا القرآن آمنوا به وذهبوا إلى قومهم يقولون لهم : 

﴿ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم ﴾


‏وكان هؤلاء الجن هم ( جنّ نصيبين )

هؤلاء الذين أسلموا بعد سماعهم للقرآن ، ويعتبرون من صحابة رسول الله من الجنّ .


وبعد أن أسلموا كانوا بحاجة أن يتعلموا الدين على أكمل وجه ، فأمر الله نبيه أن يقرأ عليهم القرآن ويعلمهم ويلاقيهم في أعالي جبال مكة .


‏وعندما جاء اليوم الموعود أتاه أحد الجنّ ليخبره بأن قومه بانتظاره ، فقام النبي عليه الصلاة والسلام وقال لأصحابه : 

" إني قد أُمرت أن أقرأ على إخوانكم من الجنّ ، فليقم معي رجل منكم ، ولا يقم رجل في قلبه مثقال حبة خردل من كِبرْ "


‏فقام معه الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود ، فانطلق معه والخوف كان يملأ قلب ابن مسعود ، كونه سيرى أمر لم يرَ أحد مثله من قبل !!!

‏فوصلوا إلى أعالي جبال مكة ..

واختلف الرواة فمنهم من قال : أن اللقاء كان بالحجون

ومنهم من قال : بأن اللقاء كان بأعلى جبل حراء

لكن المتفق عليه أنها بأعالي الجبال

والجبال بشكل عام من الأماكن التي تسكنها الجنّ وتفضلها ، بالإضافة إلى الصحاري والمناطق الخالية من البشر .


‏وعندما وصلوا هناك خطَّ النبي عليه الصلاة والسلام خطاً لعبد الله ابن مسعود وقال له : " لا تخرج منه أبداً فإنك إن خرجت هلكت "


بمعنى أنه النبي رسم خط بالأرض حتى لا يتجاوزه عبدالله بن مسعود مهما حصل وقال له : (لا تخرج منه، فإنك إن خرجت لم ترني ولم أرك إلى يوم القيامة)


‏ثم انطلق النبي عليه الصلاة والسلام للجانّ ، فشاهد إبن مسعود مشهداً مهيباً

يقول : غشي النبي عليه الصلاة والسلام أسودة عظيمة ( بمعنى ظلام مخيف ) ، واختفى من أمامه حتى لم يعد يرى منه شيء ولا يسمع منه شيء ، فخاف ابن مسعود على النبي لكنه سمع صوت عصا النبي وهي تضرب الأرض والنبي يقول لهم : إجلسوا.


‏ابن مسعود يقول رأيت رجالًا سود مستثفري ثياباً بيض ( بمعنى رجالًا بشرتهم سوداء وعليهم ثياباً بيضاء ) 

ويمشون ويقرعون الدفوف كما تقرع النسوة ، وكان يرى كائنات تشبه النسور تهوي وتمشي مع قرع الدفوف ، ومع مرور الوقت بدأ يشاهد ابن مسعود الجنّ وهم يتطايرون !!


‏يقول : طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ، حتى بقي منهم رهطٌ ( بمعنى بقي منهم عدد أقل من العشرة ) ، فلصقوا بالأرض ، حتى لم يعد يراهم ابن مسعود أبداً ..


واستمر النبي عليه الصلاة والسلام عندهم يعلمهم الدين ويقرأ عليهم القرآن ، وينهاهم عن المنكرات ، واستمر يفعل ذلك حتى الفجر !!


‏فصلى بهم النبي عليه الصلاة والسلام الفجر ، وبعد أن انتهى من الصلاة جاء له رجلان من الجنّ يسألان النبي عن المتاع ؟

فأمر لهما بالروث والعظم طعاماً ولحماً ، والبعر طعاماً لدوابهم ، ونهى النبيُّ أن يُستنجى بعظمٍ أو روثة ، لأنه طعام الجنّ ( العظم والروث ، والبعر لدوابهم ) 

ومن هذا الحديث عرفنا أن للجن دواب كما للبشر دواب والله أعلم عن أشكالها وهيأتها !!


‏ابن مسعود كان يصف هذه الليلة ويقول أنها من أرعب الليالي التي مرَّ بها في حياته كلها ، لدرجة أنه ظل واقفاً في مكانه ولم يجلس طوال الليل ، خوفاً من أن يجلس فيتجاوز الخط سهواً فتتخطفه الجنّ ويختفي إلى قيام الساعة !!

كون الخط الذي رسمه النبي ليس مسموح لأي إنسي أن يتجاوزه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم .


‏ثم ذهب هؤلاء الرهط لقومهم ونشروا الإسلام بين الجان أجمع ، ومن يومها أصبح الجانُّ مقسومين بين مسلم وكافر .


وحسب الروايات فإن النبي عليه الصلاة والسلام شاهد الجنّ على هيأتهم الحقيقية التي خلقهم بها الله

أما ابن مسعود فمختلف ، والأرجح انه لم يشاهدهم على هيأتهم الحقيقية .


تلك كانت ليلة إسلام الجِنّ المذكورة في القرآن الكريم