في فرنسا و قبل نشوب الحرب العالمية الأولى في 1914 , تعرف كل من (سارة) و (جون) على بعضهما و وقعا في الحب و كاد أن يتمَّم الحب بينهما بالزواج لولا وقوع الحرب العالمية الأولى في وقتها و حيث أن جون كان في السن القانونية تم استدعاءه للالتحاق بالجيش و تم إرساله إلى الجبهة و في الخطوط الأمامية.



بقي الحبيبان لمدة سنتين رغم الحرب و الموت يتراسلان و كانت الرسائل بينهما لا تتوقف و تستمر لصفحات و صفحات.

إلى أن جاء اليوم الذي توقفت فيه رسائل جون تماماً و لمدة طويلة و جاءت الفاجعة بعد ذلك في برقية تبلغ سارة وعائلة جون بأن كتيبه قد أبيدت بشكل شبه كامل في أحد مناطق جنوب فرنسا و أن اسم خطيبها ضمن المفقودين ، و على الأغلب أنه مات رغم أنهم لم يستلموا جثمانه إلا أن السلطات أبلغتهم ألا يعقدوا الآمال على نجاته .


سارة انهارت تماماً و انهمرت بالبكاء ليوم كامل إلى أن هدها التعب و نامت و دموعها في عينيها حزناً على خطيبها و حب حياتها المفقود.

و حلمت في تلك الليلة بحلم غيّر مسار حياتها للأبد.

حلمت سارة أنها تمشي في الريف و هنالك بناء ما في الأفق ، و حين اقتربت من البناء وجدت أمامها أنقاضاً لما كان يوماً من الأيام قلعة مهيبة ، و لشدة فرحها وجدت جون يقف قريباً من تلك القلعة, هرعت إليه راكضة لتحضنه و تعانقه إلا أنها قبل أن تصل إليه رأت قذيفة تضرب أحد أبراج القلعة و لرعبها وجدت أن الأنقاض سقطت على رأس خطيبها فهرعت إلى مكان الأنقاض لتسمع صوت جون من تحتهل يناديها أن أنقذيني…


قفزت سارة من نومها مذعورة ,لقد كان الحلم حقيقياً للغاية بشكل لا يصدق, كأنها ماتزال تستطيع شم رائحة التراب المتطاير و تكاد تسمع صوت حبها المفقود, لكنها فتاة عاقلة و تعلم أن الحلم هذا ما هو إلا حلم لا غير.

فعادت و وضعت رأسها على الوسادة لتستلم لنوم قلق ، ليعاودها الحلم مرة أخرى و بنفس التفاصيل !


“لا هذا الأمر مستحيل” فكرت سارة و لكن من منا سمع عن حلم تكرر مرتين؟ و بنفس التفاصيل و الشدة؟ الا لو كان ذو دلالة ما او رسالة من السماء.


عندها قررت سارة أن تذهب و تبحث عن تلك القلعة , حيث ربطت بين إيجادها للقلعة و إيجاد حبيبها المفقود و أبلغت أهل زوجها و أهلها بقرارها و لكنهم جميعهم عارضوها حيث أنه من الجنون أن تذهب إلى أرض بعيدة للبحث عن شخص ميت بسبب حلمٍ ما ، لكنها لم تستمع لهذا النقاش و بهذا شدت الرحال إلى آخر مكان شوهدت فيه كتيبة جون و هي في الريف جنوب فرنسا .


في ذلك الوقت لم تكن هنالك الكثير من المواصلات و كان الطريق صعباً و قضت سارة الوقت كله في الطريق إما سيراً على الأقدام أو إذا وجدت عربة يقودها مزارع ركبت معه و حكت له القصة ليهز رأسه تعاطفاً و ينزل سارة في أقرب نقطة.


وصلت سارة بعد مرور شهرين إلى وجهتها و راحت تسأل الناس عن قلعة بمواصفات معينة و هي أنها قلعة كبيرة ذات برجين إحداهما مايزال قائماً و الآخر مهدم ، و كان الجواب أن الريف الفرنسي يعج بالقلاع المتهدمة القديمة و أنها ببحثها هذا كمن يبحث عن إبرة في كومة قش.


لكن هذا لم يقلل من عزم سارة و لم يثنها عن البحث عن خطيبها ، و ما كان يدفعها هو الحلم حيث أنها منذ وصولها إلى الريف عاودها الحلم و بشكل متكرر مما زادها إصراراً و عزماً, في الحلم بدأت تتغير بعض الأمور ، فهي حيناً بدأت تسمع صوت خطيبها يناديها أن اقتربي وأنه محتجز تحت الأنقاض و أنه بانتظارها لتجده.


و كانت سارة تمشي لمسافات طويلة و قد أثر ذلك عليها حيث أنها باتت تعيش على صدقات الناس الذين ظنوا أنها مجنونة خصوصاً أن شعرها أصبح مشعثاً و ملابسها رثة و كانت تنتقل من قرية لأخرى بحثاً عن قلعتها و الحلم لا يفارقها و لا تزال ترى جون كل ليلة في منامها.


إلى أن وصلت ذات يوم إلى منطقة تضم عدة قلاع ، و حين لمحت أحدها بدأت بالصراخ كالمجنونة و اندفعت إليها, لقد وجدت قلعة أحلامها !


وجدت القلعة ذات البرجين الذين تهدم إحداهما ربما بسبب قذيفة و و جدت الأنقاض كما في منامها بالضبط ، فهرعت إليها و بدأت بإزالة الأحجار الثقيلة بيديها الضعيفتين , و لقد رآها رجال القرية و سخروا منها و مع ذلك تقدم بعضهم مجموعة  لمساعدتها على إزالة الأحجار رغم أنهم استمروا بسخريتهم منها .


إلى أن سمعوا صراخاً مكتوماً قادماً من تحت الأنقاض…


تجمد الرجال في مكانهم حين سمعوا الصوت المكتوم كلهم عدا سارة التي بدا و كأن قوة جديدة انبعثت فيها و راحت تحاول إزالة الاحجار الضخمة التي تسد الطريق.

عندها بدأت حملة محمومة و اجتمع الرجال من القرى المجاورة القريبة و شكلوا فريقاً للحفر و إزالة الأنقاض للوصول إلى السجين تحت الأنقاض ، و كانوا مايزالون يسمعون صوته ، و استمر الحفر يوماً كاملاً إلى أن انكشفت لهم حفرة غطتها الأنقاض ، كانت على ما يبدو قبواً فيما مضى.


دخل الرجال إلى القبو المظلم بحذر ليخرجوا بعد فترة و بين أيديهم رجل رث الثياب هزيل تظهر ضلوعه واضحة تستطيع عدها , ذو لحية كثة مغبرة لكن سارة عرفته, إنه جون حبيبها المفقود.. 

لقد وجدت سارة خطيبها بعد أن مضى على فقدانه عاماً كاملاً و كان على قيد الحياة رغم أنه كان لا يستطيع الإبصار جيداً لكونه عاش في ظلام دامس لعام كامل.


بعد أن هدأت الأوضاع و تم التأكد من سلامة جون, سألوه كيف تمكن من العيش لمدة سنة كاملة بدون أكل أو شرب و كيف تمكن من النجاة, ليخبرهم أنه حين ضربت القذيفة البرج سقط في قبو قديم خاص بالقلعة كان يتم تخزين النبيذ و الجبن فيه ، و قد تمكن من العيش عليهما طوال عام كامل و كان يتحسس طريقه إليها ، و كان رفاقه في عزلته هي الجرذان فقط.


عاد كل من سارة و جون إلى منزلهما و تم تسريحه من الجيش بمرتبة شرف و تم تكريمه و تمكن من شراء منزل له بعد أن وضعت الحرب أوزارها و تزوج من حبيبته و منقذته سارة.