قهوة الشعار من المقاهي البائدة ،لم يبق منها سوى اسمها الذي يخفي خلفه بعض اسرار حلب في القرن التاسع عشر .

في القرن الثامن عشر اشتد الصراع بين البدو والعثمانيين ،ومنع البدو من دخول حلب ،فصاروا ينصبون خيامهم في كرم البيك قريبا من حلب .



وكان المسؤول عن تجارة الاغنام موظف كبير بدرجة بيك ،يسمى بيك الغنم ،ويجب ان يتصف بيك الغنم بأنه من بيكوات العرب ويتحلى بالاخلاق والسمعة الحسنة  ،وذلك لكي يثق فيه  البدو ،ويتكفل بعدم الاعتداء عليهم او اعتقالهم حين تتم صفقات البيع بين البدو والعثمانين ،وكان تحت تصرف بيك الغنم كرم كبير شرق حلب يسمى كرم البيك .

ومازال في حلب ينقسم آل البيك الى قسمين ،القسم الاول يسمى بيك الغنم ،واما بيكوات المدينة واغلبها من اصول تركية فتسمى بيك القطط للتميز بين عائلات البيك المختلفة .

ترك العثمانيون ثغرة قارلق لدخول اللحوم الى حلب ،فقد كانوا بحاجة لمنتجات البادية من الأغنام ،وصارت تتم الصفقات في ارض سهلة محاذية لجبل الصفا تسمى قديما بالسد ،اي انها بحسب اللهجة البدوية بقرب الجبل ( سد الجبل )،وكان فيها اشجار لوز ( عقابية ) وسميت بسد اللوز .

كلمة سد هنا لاتعني سد ماء على الرغم من وجودها قرب قناة حيلان التاريخية بل تأتي  بمعنى (محاذي للجبل ) انقرضت هذه الكلمة  من حلب ،لكنها بقيت في لهجة  حريتان  لتشير الى الاراضي المحاذية لجبل حريتان ،حيث تقسم اراضي حريتان الى جبل وسد .

على اطراف سد اللوز بنيت قهوة الشعار بعد دخول ابراهيم باشا الى حلب عام 1832 ,حيث سمح للبدو بدخول حلب ،لكنهم لم يكونوا يفضلون دخولها لأنها لاتناسب انعامهم فقد كان البدو يفضلون التخييم قرب حلب  وعقد الصفقات في قهوة الشعار .

كانت ابرز البضائع هي الغنم وشعر الماعز وشعر الجمال ،وكان الشعار هو الذي يقوم بقص شعر الماعز والجمال وتجارتها ،فهي المادة الاساسية لصناعة بيوت الشعر .

فالشعار مهنة معتبرة في ذلك الزمان ،وكان يجدل شعرتين او ثلاثة من  ذيل الفرس ويعالجها بالماء والصمغ العربي من اجل صناعة اوتار الربابة ويبيعها للبدو  .

والربابة هي اقدم الآلات الوترية ،وجاء اسمها من كلمة ( رب) بمعنى الإله ،حيث كانت قبل الإسلام تعزف عليها مزامير داوود ،حتى ان داود عليه السلام ذكرها في المزمور 33 في الزبور ( العهد القديم سفر المزامير 33).

بعد الاسلام استعيض عن الربابة بالدف والمزهر للإنشاد .

وفي قهوة الشعار كانت تعقد بعض الصفقات الممنوعة  ،إذ  كانت مقرا لشراء السلاح والذخيرة من قشلة الترك ( ثكنة هنانو) عن طريق بعض الضباط الفاسدين .

و كان البدو يقاتلون العثمانيين بسلاح وذخيرة عثمانية .

كذلك كانت تعقد صفقات بيع لحم البقر المفروم ليدخل سرا الى قارلق ويمزج بالخروف على سبيل الغش ،واقيم من اجل ذلك مذبح قريب في جورة عواد يسمى الآن بخان البقر،ولم يكن يسمح آل البيك بمثل هذه الصفقات على ارضهم ،لذلك شيد المذبح خارج كرم البيك  .

قهوة الشعار مرتبطة بالباب ارتباطا وثيقا ،وذلك لأن تجار الباب موثوقين من الطرفين البدوي والعثماني ،وهذا مايفسر لنا ان القصابة وتجارة المواد الغذائية في حلب تقوم على كاهل تجار من اصول بابية .

وكانت   الحناتير القوية تنطلق  صباحا من قهوة الشعار وتصل عصرا الى الباب  ،وبعد دخول السيارات الى حلب كانت مركزا لأنشط كراجاتها ،حيث يمكنك الوصول الى الباب بواسطة الدوزطو 12 راكب خلال نصف ساعة .

تعتبر قهوة الشعار مقرا لاقتصاد الماشية والانعام ،وبقيت القهوة  صامدة حتى دخول الباصات الى حلب في الخمسينيات من القرن العشرين ،وادى دخول الباص الى ربط قرية( بابلي =الصاخور ) بحلب ،فنمت بابلي وتوسعت قارلق لتصل اليها،وتحولت تجارة الماشية بعد الزحف العمراني  الى جبرين وادى ذلك الى هدم قهوة الشعار  ونسيانها .

اصاب آل البيك ربحا كبيرا من تجارة الاغنام ،وتسمى عائلة البيك باسم بيك الغنم لتمييزها عن باقي آل البيك كما ذكرنا سابقا  ،وهم تجار اغنام  في كثير من البلاد ،ولم يكونوا يدخلون الا في صفقات الاغنام حيث يعتقدون ان في الاغنام بركة حتى لو  خسروا فيها  ،ويبتعدون عن الصفقات المشبوهة والغش ،لذلك فإن عائلة  بيك الغنم اصابت سمعة مرموقة بالاضافة الى الربح الوفير،ومن اعلام بيك الغنم الاستاذ المحامي  جلال البيك ابو احمد عاشق كرم البيك .

انتقلت مهنة ترحيل الاغنام وتجارتها في النصف الثاني من القرن العشرين من آل البيك الى آل شويحنة وكذلك لمع اسم( زيدو )منذ بداية التسعينات في هذا المجال