أنقذوا أولادكم قبل فوات الأوان



لا يخفى على أحد هذا التطور الكبير الذي طرأ على حياة الناس في العقود  الأخيرة في كافة مناحي الحياة، ومنها التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات، ومواقع التباعد الاجتماعي التي يطلق عليها "التواصل الاجتماعي"، والذي حوَّل العالم إلى حارة وليس قرية صغيرة، وهذه الأجهزة المحمولة بأنواعها من موبايل وتابلت ولاب توب، وأي باد، أصبحت ألصق بالكبار والشباب من محافظ أموالهم في جيوبهم، والأدهى والأمر أنَّها أصبحت في أيدي الأطفال بلا مبالغة وهم في سن الرضاع؛ إمَّا مملوكة لآبائهم أو إخوانهم الكبار يمنحونهم إيَّاها من باب إلهائهم للتخلص من إزعاجهم، وإمَّا هي مملوكة لهم، حيث يظن الآباء أنَّ تمليك أطفالهم لهذه الأجهزة من باب التوسعة على عيالهم، وعدم حرمانهم مما في أيدي أقرانهم.

وحقيقة الأمر أنَّ هذا السلوك الذي نشترك جميعًا في ارتكابه إلا من رحم الله لا علاقة له بالتوسعة على العيال ولا بكرم الإنفاق عليهم، وإنما نجني عليهم من غير أن ندري، فهذه الأجهزة بما تحمله من ملهيات كالألعاب التي تُحمَّل عليها، والتي كأنها أعدت بعناية وبعد دراسة لتسطيح فكر الأجيال، بل وجرهم شيئًا فشيئًا لسلوك مسلك العنف بكلِّ صوره، ومنه الإرهاب، فيندر أن تجد لعبة خالية من أحدث الأسلحة والمتفجرات، كما أنَّ الفوز يكون بقدر ما يستطيع الطفل أو الشاب من قتل أشخاص اللعبة وتدمير المنشآت، والأخطر من ذلك تلك الأجهزة المرتبطة بالنت عن طريق باقات يوفرها الآباء والأمهات لأبنائهم على شرائح هواتفهم، أو من خلال هذا الراوتر الذي يعمل على مدار الساعة في كافة أركان البيت، وما أدراك ما الذي يعنيه ارتباط الموبايل وإخوته بالشبكة العنكبوتيَّة مع مهارة البحث التي يتقنها الأطفال قبل الشباب.

وهؤلاء الأطفال والشباب يستخدم غالبهم هذه الأجهزة في حضرة الآباء والأمهات بطريقة، وبعد خلوهم بأنفسهم ونوم الكبار أو انشغالهم بأعمالهم بطريقة أخرى، وهذا الاستخدام أو ذاك لا يخلو من أضرار، ففي حضور الآباء والأمهات ومن باب طمأنة الكبار ترى الأطفال والشباب يقتصرون على متابعة برامج أُعِدَّتْ للأطفال، أو ألعاب يشترك فيها الشباب والأطفال، وربما الآباء أنفسهم، غير مدركين لخطورة المحتوى، وحتى طريقة تحدُّث المشاركين في العمل، وأقل هذه الأضرار اعوجاج ألسنة الصغار، وترديدهم لعبارات غاية في البذائة والسوقيَّة والسقوط، وأوسطها الاعتماد عليها في البدهيَّات الحسابيَّة، حتى إنَّك لو سألت أحدهم عن حاصل ضرب رقم صغير في مثله لسارع بالبحث عن الحاسبة على جهازه، وبعد أن كان غالب الناس يحفظ أرقام هواتف عائلته وأصدقائه المقربين أصبح غالبهم لا يحفظ رقمه الثاني الذي لا يستخدمه كثيرًا، فضلًا عن أرقام أولاده وزوجته، وأعلاها تسطيح العقول وحشوها بكلام تافه وعبارات نابية، وتخريب منهجيَّة التفكير البنَّاء  عندهم.

فإذا خلا هؤلاء الأطفال والشباب من النوعين ذكورًا وإناثًا انتقل كثير منهم من تلك المتابعات والميادين التي يرتادونها في حضرة الكبار إلى ميادينهم الخاصة، والتي يغفل عنها الآباء والأمهات، ويسهل وصول هذه الأجهزة إليها بمعاونة محركات البحث، فيقضي هؤلاء ليلهم إلى ما قبل استيقاظ الكبار حتى إذا ما تفقدوا غرفهم وجدوهم في نوم عميق، فيظن الآباء أنَّه بدأ بعد نومهم بقليل، غير مدركين بأنَّ هذا النوم ربما بدأ حين سمع الأطفال والشباب صوت خطوات الآباء والأمهات، وهم يتجهون نحو غرفهم، ويطمئن الآباء لحسن إدارة الأبناء لوقتهم ويشفقون عليهم حين يرون كتابًا دراسيًّا على صدر ابنهم النائم  ظنًّا منهم أنَّه نام وهو يذاكر فيه دروسه، ولو كان هذا الأب يريد التأكد من أنَّ ابنه في الغالب لم يذاكر كلمة في هذا الكتاب، وإنما وضعه عمدًا هكذا فليسأل ابنه حين يستيقظ عصرًا عن اسم الكتاب الذي وجده على صدره صباحًا وأي درس كان يذاكر؟

فيا أيُّها الأب لا تطمئن كثيرًا برؤية هذا المشهد فهو لخداعك ليس أكثر، ويا أيتها الأم لا تطمئني كثيرًا إذا تسللت إلى "واتس آب" ولدك أو ابنتك فوجدت العبارات المتبادلة كلها عن معلومات دراسيَّة أو معيشيَّة عادية، واعلمي بأنَّ هناك خاصيَّة الحذف التي يتقنها الأطفال قبل الشباب، ولا يستخدمونها في المعلومات التي تريحك ووالده، ولكن تستخدم بتوسع في التخلص من عبارات لا يريدون رؤيتكم لها على الإطلاق، حيث إنَّهم يتوقعون تفقدكم لأجهزتهم في غفلة منهم.

لعل هذه الكلمات تدق ناقوس الخطر ليزعجنا حتى نبادر إلى العلاج  قبل فوات الأوان، ولن يكون هذا بطبيعة الحال بسحب الموبايلات من أيدي أبنائنا، أو حرمانهم من امتلاكها، فسيصلون إليها أو إلى غيرها بطريقتهم، ولكن العلاج  يكون باختيار السن المناسب للسماح لهم باستخدام الأجهزة، وتعليمهم كيفيَّة استخدامها بطريقة نافعة، وتنظيم أوقاتهم بين استذكار دروسهم وبعض الترفيه الآمن، الذي يمكن أن يكون داعمًا لمذاكر