باب الفرج 1903:الاركيلة ضرب من ضروب التدخين السبعة .

ونرى في الصورة رجلا يدخن الاركيلة ويستمتع بيوم شتوي دافئ ،سطعت فيه الشمس على حلب فصاحت لمقدمها الحياة ،ودبت الحركة في شريينها .

والاركيلة نوع من التدخين الرطب ،حيث يصنف التدخين حسب الفلترة الى صنفين :

1- الفلترة الرطبة : ويمر الدخان من خلال الماء فتتم تصفيته من الشوائب  اثناء التعاطي وهذه هي الطريقة الصينية بالتدخين .

2- الفلترة الجافة : وتمر فيها الابخرة من خلال امزك او فلتر من القطن او الاسفنج لتصفية الدخان ،وهذه هي طريقة الهنود الحمر ( قبائل الآباتشي والموهيكانز ).

التبغ مادة سامة عرفها  الكنعانيون  غرب سوريا واستخدموها منذ آلاف السنين لطرد الحشرات وبخاصة الناموس والشيخ سيكت من غرف نومهم ،وكذلك استخدمها المصريون القدماء في تحنيط موتاهم .

لكن تدخين التبغ جاء من الهنود الحمر ،حيث كانوا يمزجونه بالقنب ( الحشيش) للإتقاء بأرواحهم على سبيل العبادة والتواصل مع عالم الاموات المقدس .

واعتمدت قبائل الآباتشي على الغليون الذي يشعله الكاهن ويديره على الرعية المؤمنة بعقائد الآباتشي ،ثم انتقلت هذه العادة الى الإسبان بعد اكتشاف امريكا .

ومن اسبانيا جاءت عادة تدخين الغليون وانتشرت في العالم .

في كوبا لم يعتمد الكوبيون على الغليون ،بل قاموا بلف ورقة التبغ بطريقة انيقة وابتدعوا السيكار الكوبي ( هافانا )،وهو يعتبر السلف الطبيعي للسيكارة ،حيث كان يزرع التبغ في خليج الخنازير غرب كوبا منذ اقدم العصور .

وعرفت الصين المخدرات منذ الف عام ،واعتمدت على حليب الخشخاش الذي يستخرج بخدش نورة هذا النبات ويخرج منها حليب يتم تجفيفه ويتحول الى هيرويين.

وكان يزرع الخشخاش في الهند وتقوم بريطانيا بتهريبه الى الصين مما اغضب عائلة تشانغ الحاكمة في الصين فقامت بينهما حرب خسرت الصين بموجبها هونغ كونغ وتحولت الى مستعمرة بريطانية،وذلك بعد حرب دامية عرفت باسم حرب الافيون.

ومن ضروب الاركيلة، اركيلة المعسل ،وهو بدعة مصرية استخدم فيها المصريون التفاح عندما اجتاحوا بلاد الشام في حملة ابراهيم باشا ،ومصر بلاد لايعيش فيها التفاح ورائحته مضرب مثل عندهم ،فقام جنود الحملة المصرية بتخمير التفاح ومزجه مع التبغ فحصلوا على المعسل ،لكن المعسل لم يبق في بلاد الشام بعد مغادرة الجنود المصرية عام 1839،وذلك لأن بلاد الشام معتادة على رائحة التفاح  ,واختفى مدة مائة وخمسين عاما ،بينما استمر التنباك في بلاد الشام .

اجتاح المعسل الخليج العربي في القرن العشرين ،وذلك لأن شبه الجزيرة العربية بلاد تفتقر الى رائحة الازهار والثمار وانتشر انتشار النار في الهشيم .

وتعرضت الاركيلة لأزمة كبيرة بعد انتشار تصنيع السجائر  ورخصها في بلاد الشام ،حيث حلت مكان الاركيلة سيكارة بافرا وبيبلوس والناعورة ،ثم تبعتها سيكارة الحمراء والشرق  التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية مما ادى الى تقلص الاركيلة واختفاءها تدريجيا .

في التسعينيات دخل التلفزيون الفضائي الى سوريا وكان سببا بانفتاح ثقافي جديد على الخليج العربي ،وصار الناس يتابعون محطة mbc  , التي وضعتهم امام واقع ثري وغني بالمعسل ،وبدا المعسل تدريجيا يدخل عبر التلفزيون الى حياتنا اليومية ،وعاد المعسل  الى وطنه الام حيث صنعه المصريون قبل مائة وخمسين عام  في سوريا ارض التفاح والفاكهة .

ونهضت في سوريا الصناعات الدوائية في التسعينات ،واحرزت رقما عالميا وهو المركز السابع عشر في هذا المجال ،لكن من سلبيات النهضة الدوائية كان ان وفرت الادوية النفسية في متناول العامة ،وكان بعض الصيادلة والاطباء من عديمي الضمير يصفون الفاليوم للمريض ،فيرتاح ويمدح بالطبيب ،وبعض الصيادلة يبيعون هذه الادوية بدون وصفة طبية بهدف تحقيق الربح ،فانتشر حب الوش في بلادنا ،وساهم في ذلك ايضا باعة الاسبيرسوا الذين انتشروا في المحلق وفي الأزقة  يبيعون الشاي الممزوج بمواد نفسية خطيرة على الصحة العامة والاخلاق .

ويبرر المسؤولين انتشار هذه الحبوب بأن المخدرات منتشرة في كل الغرب والشرق .

والحقيقة ان هؤلاء المسؤولين يكذبون ،حيث أن الشرق تخلص من آفة المخدرات ،فنهضت الصين واصبحت اقوى اقتصاد في العالم ،بينما انشغل الغرب في التصنيع والرياضة والمكملات الغذائية .

واركيلة التنباك كانت حكرا على الرجال دون النساء في بلاد الشام ،ماعدا مدينة  اللاذقية،فقد كانت امرا عاديا منذ الاربعينيات أن ترى  النسوة تجلسن على شاطئ الرمل محجبات وغير محجبات ،ويدخنن الاركيلة ،بينما لايفضل الرجل في اللاذقية الاركيلة وقليل منهم من يهتم بها ذلك الوقت ،ويمكن تفسير ذلك  بانشغال رجال  هذه المدينة  في السباحة وعشقهم لها ،والاركيلة تؤذي الرئتين فلا يفضل السباح شرب الاركيلة لأنها تقطع انفاسه ،بينما تحظر السباحة على النساء في ذلك الوقت فيشغلن انفسهن بالاركيلة .