بعد تعميق مجرى قويق عام 1948 لم يعد النهر يطوف ليشكل بحيرة مكان الحديقة العامة ،كما ان النهر لم يعد يصل الى شارع بارون والناعورة ،وذلك لأن المجرى اصبح يصرف كل مياه الفيضان بسرعة كبيرة .

ولكن التعميق وسرعة التصريف لم تمنعه عام 1969 من تشكيل بحيرة عظيمة كسابق عهدها ،حيث كان ذلك العام كثير الامطار والثلوج ،واستخدمت ذلك العام السفينة للعبور بين جسر المعزة والبريد  في رحلة وصفها بعض الاخوة من كبار السن على الصفحة  انها كانت اجمل رحلاتهم على الاطلاق .

ويروي ابو ايمن عرب وهو صديق للصفحة انه كان عام 1969 يركب الشختورة من جسر محطة بغداد ويعبر الحديقة ابحارا وينزل عند درج البريد .

اما المرحوم صلاح- وهو اخي الكبير- فإنه يروي حكاية اكثر تشويقا :

- لقد كنت عام 1969 طالبا في البكالوريا في ثانوية جورج سالم في شارع الفيصل ،وجاء الفيضان وبدأ يغمر الحديقة العامة حتى انقطع الطريق بين شرق حلب وغربها ،وانصرفنا من المدرسة ذات يوم فلم نستطع العودة الى البيت ،فجاء عمال من شركة الباصات والطراماي قرب محطة  الكهرباء شارع الفيصل واخرجوا زورقين من مستودع الباصات  وحملوهما على شاحنة ثم القوهما في مياه البحيرة ،وركبنا وعدنا الى بيوتنا ،وبقينا اسبوعا كاملا نعبر الحديقة جيئة وذهوبا بواسطة الشختورة ،وكنا ندفع ربع ليرة  عن كل رحلة .

وفي رواية المرحوم صلاح انه كان يركب الشختورة بين درج الحديقة العامة الرئيسي عند مجوهرات بونجة ،حيث تحول الدرج الى ميناء تزاحم فيه الناس ،وينزل على درج البريد الذي تحول هو الآخر الى ميناء ،وكان الناس ممتعضين من سادن الزورق ويعتبرونه قناص للفرص ويطالبون ببطاقة  (بيليت) مقابل الربع ليرة ويقولون عنه :

- منشار بالروحة ايكل وبالرجعة ايكل وهذا القول في حلب كناية عن الجشع واستغلال الفرص .

ومن خلال حديث المرحوم صلاح الذي شاهد الزورقين يخرجان من مستودع الباصات علمت حكايات من حلب ان شركة الطرماي هي من كانت تملك الزوارق .

ولاتعلم حكايات من حلب ماذا حل بالزورقين ،وربما ان الدفاع المدني او الاطفائية استبدلتها  بزوارق مطاطية ( بلم ) مخبأة في احد المستودعات استعداد لمثل هذه الظروف .

وقد يأتي يوم نستخدم فيه البلم ،ليس من اجل العبور الى اوروبا كما شاع الحال في السنوات العشر الاخيرة ،بل لكي نعبر بين طرفي حلب .

وقد يقول قائل إن هذا  لن يحدث لان تركيا قطعت النهر وحولت مجراه.

،ولكن الفيضان قد يرغم الاتراك  على فتح المياه  مؤقتا لكي لاتغرق القرى التركية ،وهذا ماحصل عام 1969 ,لذلك فإن الاستعداد للفيضان هو واجب دائم  مهما اختلفت سياسات المياه .

الطبيعة تذكرنا دائما بالوضع الذي كانت عليه حلب قبل انتشار البناء ،والحديقة العامة هي ثاني اخصب بساتين حلب بعد بستان القصر ،وسبب تفوق بستان القصر في الخصوبة هو عرضه الكبير الذي يسمح بترسيب المواد العضوية التي يجرفها السيل .