لقد واجهنا هذا السؤال مرات عديدة من قبل..



في كل مرة كنا نشاهد فيلما قديمًا كانت"الداية" تفاجؤنا فيه وهي تهرع نحو غرفة المرأة التي تلد، وتصرخ بجدية وصرامة جنرال حربي في وجوه الموجودين: "حلة مية سخنة أوام"، لتترك جميع الحاضرات كلٌ ما في يدها ويهرعن نحو المطبخ، ثم تعود إحداهن وفي يدها "حلة مية" يتصاعد منها البخار!

وكبرنا جميعًا دون أن نفهم السبب.. لماذا "المية السخنة" تحديدًا؟، هل هناك سرٌ ما ولا يجوز أن نعرفه؟ هل يتم "سلق العيل" مثلًا؟ هل يولد الأطفال بــ "بفرو" أو"غطاء كثيف من "الريش"، ولابد من سلخه أو نتفه كاملًا قبل أن يراه الجميع!

كل هذه كانت أسئلة فقط، بلا أجوبة حقيقية، لأننا لم نجرؤ أبدًا على السؤال، ولم نحدد حتى من يمكنه أن يجيب، كأنه سر خطير ويستحق أن يُحاط بأكبر قدرٍ من المهابة..


مع الوقت كبرنا، وأصبحت الكثيرات أمهات، وخضن عملية الولادة نفسها، دون أن يجدن أجوبة على هذا السر. "هما وقتها بيكونوا في إيه ولا إيه!!.


ربما جاءت الفرصة الآن لنفهم السر، لتنكسر أسطورة "يااموو السعد يااموو السعد" الخالدة، و الإجابة فعلًا بسيطة جدًا، ولا تعدو بالنسبة للـ "الدايات" ـ المخضرمات أكثر من حقائق عابرة لا تقف إحداهن عندها لحظة..


السبب الأول:

يعمل الماء الدافئ على صنع حالة ارتخاء جيدة للعضلات، وبالتالي فإن استخدام منشفة مبللة منه تؤدي إلى ارتخاء عضلات الحوض والمنطقة السفلية لتسهيل خروج الجنين ..


السبب الثاني:

الماء الساخن مُطهر جيد في حد ذاته، على الأقل تساعد درجة الحرارة على قتل البكتيريا بصورة ما، وبالتالي إزالة ما تبقى بعد نزول "المشيمة"، إضافة إلى تعقيم الأدوات التي تستخدمها أو يستخدمها الطبيب نفسها ..


السبب الثالث:

لا بأس به لتنظيف ما علق بجسد الجنين بعد الولادة مباشرة، إن هذا يناسب درجة الحرارة التي قدم منها للتو، ولن يسبب الخلل في درجة الحرارة أي ضرر للجنين..


السبب الرابع (الأهم):

لنفترض ـ وهو ما يحدث فعليًا ـ أن الجنين يولد بالرأس ..

ما يحدث هنا أن التغيُّر المباشر في درجة حرارة البيئة التي ينتقل خلالها الجنين أثناء الولادة (من داخل الرحم إلى حرارة الغرفة) ينتج عنه تنبيهًا واضحًا لـ "مركز التوازن الحراري HRC" في جسم المولود، كما أن الحبل السريّ نفسه شديد الحساسية لذلك الأمر (لاحظ أن الحبل السري محاط بغشاء جيلاتيني، وغير مغطى بالجلد أصلا، مما يجعله شديد التأثر بالتغير في درجة الحرارة المحيطة)، فتبدأ أوعيته الدموية في الانقباض لحظيًا ، ثم يتوقف إمداد المولود بالأوكسجين من خلاله.. وما يحدث بعدها أن المولود يصرخ صرخة الميلاد الخالدة، والتي تعمل على أثرها رئته الخاصة، فيبدأ التنفس الطبيعي ..


لكن ماذا يحدث لو .. نزل الجنين بقدميه، أو بأي وضع غير طبيعي كوضع (Breech presentation)؟، وهو شائع بالطبع ..


لاحظوا أننا نتحدث عن عصر "الدايات" أي قبل معرفة السونار حتى، كما أن تقنية "الولادة القيصرية" كانت ضربًا من الخيال، ويتم التعامل معها بأسلوب (ياضنايا يابتي هيشقوا بطنك) .. برغم أن كثير من أساتذة النساء والتوليد يستخدمون تقنية الماء الساخن في غرف العمليات للآن ..


ما يحدث في هذه الحالة أن "مركز التوازن الحراري HRC" في جسم المولود يلاحظ التغير في درجة الحرارة، وينقبض الحبل السري من تلقاء نفسه ، فـتبدأ الرئة في العمل مباشرة، بينما الرأس عالق في منطقة الحوض .. هذه كارثة حقيقية لمن يفهم الأمر أو يتخيله! .. ولو بدأت الرئة في العمل لعانى الجنين من الاختناق (غرقًا) .. 

التصرف السليم هنا، أن "الداية" تحيط جسد الجنين بمنشفة مبللة بالماء الدافئ، لتحفظ له ذات الحالة التي كان فيها بداخل الرحم، لاحظوا أن السائل الأمينوسي الذي كان يسبح فيه بداخل رحم الأم دافئ، وبالتالي يتم إنقاذ الطفل لحين نزول الرأس...

ها.. اتفك اللغز!