تاريخ الجزائر ما قبل تركيا وفرنسا.

صفحات طويلة فينيقية نوميدية قيصرية أموية عباسية زيرية حمادية زيانية، واجب علينا أن نعرفها


قام الرئيس الفرنسي بإنكار وجود الجزائر قبل الإستعمار الفرنسي عام 1830م، وأضاف أيضا أن ما قبل الإستعمار الفرنسي كان في الجزائر الحكم التركي منذ عام 1514م وفي هذا المقال سنقوم بتلخيص تاريخ الجزائر ما قبل حكم الأتراك والفرنسيين، وهنا وبكل تأكيد لا اساوي بينهما فجرائم الاستعمار الفرنسي إلى اليوم ماثلة للعيان، ولكن هذا المقال من باب تسليط الضوء على الجزائر ما قبل حكمهما.


البداية الفينيقية

-

-

بدأ إستقرار الفينيقيين في الجزائر من قبل عام 1200 ق.م، وقاموا ببناء مدن  هيبون (عنابة الحديثة) وروسيكاد (سكيكدة الحديثة) وإكوزيوم (الجزائر الحديثة) وأيضا القل، بجاية، دلس، شرشال، تنس، بطيوة، الغزوات وتيبازة، وفي عام 800 ق.م تحولت المدن الفينيقية المتفرقة في المغرب العربي إلى إمبراطورية موحدة عاصمتها قرطاج وكان يحكم كل مدينة فينيقية قاضي من أهلها، وقد إستمرت الإمبراطورية القرطاجية في حكم الجزائر إلى أن هزمت في الحرب البونيقية الثانية عام 202 ق.م، وفي أوخر هذه الحرب ظهر في الجزائر قوتان وهما نوميديا الشرقية (ماسيليا)، ونوميديا الغربية (مملكة ماسيسيليا)، وأما ملك نوميديا الغربية سيفاكس فقد بقي داعما لقرطاج، وأما ملك نوميديا الشرقية ماسينيسا فقد غدر بقرطاج وتحالف مع الرومان ضدها وضد الملك سيفاكس الذي تم قتله وضم مملكته.

-

-

مملكة نوميديا

-

-

بدأت هذه المملكة من مدينة سيرتا (قسنطينة اليوم) الجزائرية عام 202 ق.م، حيث كانت قبل هذا العام من ضمن الإمبراطورية القرطاجية الفينيقية إلى أن قام ماسينيسا بالتحالف مع الرومان ضد القرطاجيين ثم شارك في حصار قرطاج الذي بدأ عام 149 ق.م والذي أدى لسقوطها عام 146 ق.م، وتوسعت مساحة مملكة نوميديا ولكنها كانت تحت الحكم الروماني 

-

وقام الرومانيون لاحقا بتقسيم نوميديا فلم يعجب الأمير يوغرطة أمر تقسيم المملكة فأراد توحيد نوميديا من جديد، وقام بإعلان التمرد اتسع نفوذ يوغرطة فتسلم الحكم في العاصمة سيرتا (قسنطينة اليوم) ثم أمر بقتل ملك نوميديا عزربعل وأتباعه في أسوار العاصمة سنة 113 ق.م وقتل التجار الرومانيين هناك ففزع الرومان لهذا وعرفوا بأن يوغرطة يتحداهم ويريد تأسيس مملكة نوميدية قوية، ولكن يوغرطة تعرض للخيانة ووقع اسيرا بيد الرومان.

-

واستمرت مملكة نوميديا بعد يوغرطة ولكنها كانت ضعيفة ومنقسمة والكثير من أراضيها ذهبت لولايات أخرى حتى كانت نهايتها الرسمية عام 40 ق.م

-

-

موريطنية القيصرية

-

-

بعد نهاية مملكة نوميديا تم ضد أراضيها لمملكة موريطنية إلى أن أتت سنة 42م حيث أمر القيصر الروماني كلاوديوس بتقسيم موريطنية إلى إقليمين هما موريطنية القيصرية في الجزائر وموريطنية الطنجية في المغرب.

-

وكانت عاصمة موريطنية القيصرية هي مدينة شرشال الجزائرية، وعلى الرغم من أنها كانت إقليما رومانيا ثم بيزنطيا لكن أغلب مناطق موريطانية القيصرية بقيت تحت سيطرة قادة محليين.

-

-

الحكم الوندالي

-

-

أتت أقوام وندالية جرمانية عبرت مضيق جبل طارق عام 428م، وكان تعداد جيشهم حوالي 50 ألف مقاتل بقيادة الملك جنسريق، وخرَّب الوندال كل ما وجدوه قائمًا في زحفهم، واستطاعوا أن يحتلوا مدينة عنابة في عام 431م، واتخذوها عاصمة لهم، ثم تقدم الوندال واستطاعوا إحتلال قرطاج في عام 439م، واستمر حكم الوندال حتى عام 534م.

-

-

الحكم البيزنطي

-

-

أعلن الإمبراطور البيزنطي جوستينيان الحرب على الوندال، وأرسل أسطولا بحريا إستطاع به السيطرة على قرطاج في عام 534م ثم تقدمت قواته واستطاعت السيطرة على الجزائر، ولم يفرض البيزنطيون سيطرتهم الكاملة على الداخل إلا بعد عام 560 و 570م.

-

وكان يقوم بادارة العشائر المحلية زعماء من أبناء البلاد تقدم لهم برانس حمراء تشير إلى مناصبهم· اما المدن التي كان يقطنها عدد كبير من الرومان، فكانت تتمتع ببعض الاستقلال الذاتي وكان لها مجالس بلدية مؤلفة من الأعيان.

-

-

الفتح الإسلامي والحكم الأموي.

-

-

وصلت الفتوحات الإسلامية إلى الجزائر في عهد الخلافة الأموية، وكان ذلك على مرحلتين الأولى في عام ٦٨٤ م على يد عقبة بن نافع ولكن فتحه لم يستقر وخرجت الجزائر من الحكم الأموي، والمرحلة الثانية في عام ٧٠٤ م على يد موسى بن نصير وعبر لاحقا إلى المغرب ثم إلى الأندلس، وقام موسى بن نصير بتقسيم المغرب العربي إلى ثلاث أقسام المغرب الأدنى والمغرب الأوسط والمغرب الاقصى، وتعتبر حدود الجزائر الحالية أقرب للمغرب الأوسط، وبقيت الجزائر تحت الحكم الأموي حتى عام ٧٤٠ م حيث إستقلت بعد ثورة قادها ميسرة المطغري.

-

-

العصر العباسي

-

-

في عصر الخلافة العباسية دخلت الجزائر في التبعية العباسية بعد سيطرتهم على الحكم في عام ٧٤٩ م، وتم إعتبارها جزءا من ولاية إفريقية والتي مركزها القيروان، وقام العباسيون بتعيين الفهريون لحكمها ولكنها خرجت من يدهم عام 758م بعد سقوطها بيد الخوارج، ولكن العباسيون عادوا وسيطروا عليها مرة أخرى عام 762م بعد أن ارسلوا القائد محمد بن الأشعث الخزاعي، ثم قام العباسيون بتعيين الاسرة المهلبية لحكم تونس والجزائر واستمر حكم المهلبيون حتى عام 771 م عندما قتل الوالي عمر بن حفص المهلبي على يد قائد الخوارج ابو حاتم الخارجي الذي سيطر على تونس والجزائر.

-

فقام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بإرسال جيش عدده 150 ألف بقيادة يزيد بن حاتم المهلبي والذي قضى على الخوارج، وتحول الخوارج من تنظيم وجيش سياسي إلى طائفة دينية في تاهرت وتلمسان، وإستطاع يزيد المهلبي إرجاع الحكم العباسي لكل المغرب العربي واستمر حكم المهلبيون حتى عام 795 م، وقام العباسيون بعدها بتعيين الأغالبة لحكم ولاية إفريقية والتي استمرت بالتبعية العباسية حتى ظهور الدولة العبيدية عام 909 م.

-

-

الدولة الزيرية

-

-

قام بنو زيري حلفاء العبيديين بتأسيس الدولة الزيرية في حوالي عام 935 م على يد زيري بن مناد الصنهاجي والذي قام ببناء مدينة آشير الجزائرية واتخذها عاصمة لدولته، واستطاع بلقين بن زيري السيطرة على الجزائر وتونس ونقل العاصمة إلى القيروان عام 973م واستمر الزيريون يحكمون الجزائر من القيروان التونسية حتى عام 1007م.

-

-

الدولة الحمادية

-

-

بعد أن انتقلت إدارة الدولة الزيرية إلى القيروان التونسية ظهر فراغ سياسي في الجزائر، فاستغل والي آشير الأمير حماد بن بلقين الزيري هذا الأمر وأعلن تمرده وإقامة الدولة الحمادية في عام 1007 م ثم اتخذ مدينة المسيلة عاصمة له، وأعلن تبعيته للدولة العباسية، واستطاع السيطرة على الجزائر وتحقيق إستقلالها، واستمرت الحرب بين الزيريون في تونس والحماديون في الجزائر حتى عام 1018م حيث تم الصلح، وحصل إعتراف متبادل ومصاهرة.

-

وازدهرت الدولة الحمادية وفي عهد بلقين الحمادي (1055-1062 م) حيث توسعت الدولة إلى حدود المغرب الأقصى (مع تخوم فاس)، ثم في عهد الناصر  الحمادي (1062-1088 م) بلغت الدولة تونس والقيروان، ولكن الدولة أصابها الضعف نتيجة الهجرات الهلالية، وبدأت تنحصر حتى إنتهت عام 1152 م بعد سقوط مدينة بجاية عاصمتها الأخيرة بيد الموحدين.

-

-

الدولة الزيانية

-

-

يعتبر يغمراسـن بن زيان هو مؤسس الدولة حيث كان في البداية والي تلمسان للموحدين منذ عام 1235 م بعد وفاة أخيه زيدان بن زيان، واستطاع تشكيل تحالفات قبلية أدت لإعلان قيام دولته وعاصمتها تلمسان وإلغاء حكم الموحدين، واستطاعت دولته السيطرة على مساحات واسعة من الجزائر الحالية، ودخلت لاحقا في حروب مستمرة مع بنو حفص في تونس وبنو مرين في المغرب.

-

وكانت هذه الصراعات من أسباب ضعف المغرب العربي والذي استفاد منه الأوروبيين والعثمانيين، فقد تمكن المرينييون من التوسع شرقا إلى أن سقطت عاصمة الزيانيين تلمسان بيدهم سنة 1352 ولكن الزيانيون استعادوا عاصمتهم وطردوا المرينيين إلى ما وراء الحدود سنة 1359 على يد أبو حمو موسى الثاني.

-

واستغل الأسبان الصراعات المستمرة بين الحفصيين في تونس والزيانيين في الجزائر والمرينيين في المغرب واصبحوا يهاجمون المدن الساحلية، وكانت الكارثة عام 1509 م عندما احتل الأسبان مدينة وهران ثم بجاية عام 1510م، وأصبحوا يسعون للتوسع وإستقطاب ولائات حكام المدن، ثم قام العثمانيون بالسيطرة على مدينة جيجل عام 1514م.

-

ولكي لا تلاقي مدينة الجزائر والتي كان يحكمها سليم التومي مصير وهران وبجاية قام بالإستنجداد بالعثمانيين لحمايتها من الإسبان وليس لحكمها، ودخل العثمانيون مدينة الجزائر عام 1516 م، وقاموا بقتل سليم التومي وأعلنوا الجزائر كمحافظة عثمانية، وأمام هذه الأحداث إزداد ضعف وتفكك الدولة الزيانية الغير قادرة على إنقاذ مدنها، وحاول عروج مهاجمة تلمسان عام 1518 م ولكنه قتل، فتولى أخيه خير الدين بربروس قيادة العثمانيين في الجزائر ثم بابا عروج.

-

وأما نهاية الدولة الزيانية فكان عام 1554 م عندما قام الملك المخلوع أحمد الرابع الزياني بالإستنجداد بالقائد العثماني بابا عروج لكي يعيده للحكم بعد أن قام عمه الحسن الزياني بأخذ الحكم منه، فاستغل العثمانيين إنقسام الزيانيين وصراعاتهم مع الإسبان ودخلوا تلمسان عام 1554م وقاموا بإنهاء الدولة الزيانية بخلع آخر حكامها ولم يعينوا من إستنجد بهم، وخلال الحكم العثماني تم تحرير باقي المناطق التي تحتلها إسبانيا من الساحل الجزائري 


*** المصادر:


1- كورين شوفالييه الثلاثون سنة الأولى لقيام دولة مدينة الجزائر 1510-1541.


2- ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون


3-  أبو العباس القلقشندي; نهاية الارب في معرفة أنساب العرب


4- ابن سعيد الأندلسي، كتاب الجغرافيا


5- محمد التنسي، نظم الدر والعقيان في بيان شرف بني زيان


6- يحيى بن خلدون، كتاب بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد.


7- ابن الاثير، الكامل في التاريخ.


8- البلاذري، فتوح البلدان.


9- محمد غانم، التوسع الفينيقي في غربي البحر المتوسط.


10- مبارك الميلي، تاريخ الجزائر القديم.


11- محمد جارش، التاريخ المغاربي القديم السياسي والحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح الإسلامي.


كتب بقلم:

المؤرخ تامر الزغاري