درر  :  محمد  راتب  النابلسي 


قصة حقيقية مؤثرة :

تقول إحدى الأخوات : نحن نعمل في مكتب لتقديم اﻹستشارة والمساندة القانونية 

وفي يوم من الأيام  زارتنا سيدة في عباءة سوداء، ضخمة الحجم، طويلة وعريضة المنكبين، وجهها أسود قبيح مخيف، تشبه الرجال أكثر من النساء !


فبدأ المحامون الرجال التسلل للخارج تجنباً ﻹستقبال شكوتها، ومنهم من تصنع اﻹنشغال، حتى لم يتبقَ غيري ﻹستقبالها.

قد كنت قلقة وخائفة في البداية من شكلها، وكنت أتجنب النظر على قدر اﻹمكان، وأحاول ألا أضحك على تعليقات زملائي المتخفية، حتى لا أظهر العمل بشكل غير لائق، حتى بدأت التحدث وهي مبتسمة ابتسامة قبيحة جداً ..

وهذه هي حكايتها :

قالت لي : أنا سيدة لم أكن موفقة في الزواج طوال حياتي لنفور الرجال مني، حتى وصلت ﻷربعين عام وأنا عذراء، لم يطرق بابي رجل واحد، ولم أكن أخشى إلا أن أموت وحيدة، وكنت أتمنى أن يرزقني الله أطفالاً أحبهم وأرعاهم، ولكن لم يشأ الله لي ذلك. 

حتى جاءتني جارتي تعرض علي الزواج من مقاول يسكن بجوارنا، أرمل ولديه أربعة أطفال، بشرط أن أوافق على خدمتهم، وألا يكون لي أية طلبات كزوجة.. أكون فقط خادمة !!

فوافقت لأن هذه أول مرة يطلبني فيها أحدهم.


وتزوجت وكنت ألاقي نفور من جميع الناس بما فيهم زوجي، كما وجدت منكم هنا، ومّرت السنوات وأنا أرعى أولاده كأنهم أبنائي، وغمرتهم بحبي وحناني حتى أصبحت لهم أمّاً يحبونها ويقدرونها، ورزق الله زوجي رزقاً واسعاً، وأحبّني كما أحبّني أولاده..

وبدأ يعاملني كزوجة أخيراً بعد عدة سنوات و ودعت العذرية !!!!!


وأنا هنا ﻷن زوجي توفاه الله منذ عدة أيام، وفوجئت بأنه كتب لي من أملاكه عدد من العقارات التي تقدر بالملايين، ولم يعترض أولاده أبداً، ولكنني أريد أن أعيد إليهم كل ما كتب لي، وأريدكم أن ترشدوني لاتخاذ اﻹجراءات اللازمة.

ثم أخرجت لي اﻷوراق والعقود التي تثبت صحة كلامها !!

وتعجبت كيف لشخص أن يلفظ كل هذه الملايين بعيداً بجرة قلم ؟!!


فسألتها وأنا أشعر بالخجل الشديد من نفسي، وقد شعرت أنني أحبّها من أعماق قلبي اﻵن، فإبتسامتها زادت جمالاً : ألا تودين اﻹحتفاظ بأي شئ، عقار واحد على اﻷقل ؟  لو مرضت، أو لو قسى عليكِ أولاده، أو الزمن ؟!!

 

فقالت لي : لا أريد ..!!

أريد أن أنقل كل شيء لهم،  فهذه في النهاية أموالهم، وليس لي حق في شيء، وأنا يكفيني حبُّهم، فهذا هو كل الرزق الذي أتمناه ..!!

ثم قالت لي كلمة دمعت عيناي منها :  

( الذي رزقني الحب بعد مرارة المنع، سيرزقني الستر في زمن الغدر ) 


قمت بإتخاذ اﻹجراءات القانونية وتم نقل اﻷملاك إليهم بالفعل، دون أن يبقى لها شيء على اﻹطلاق .

كنت أفعل هذا وأنا أبكي في داخلي حسرةً على حالنا وأخلاقنا 


العبرة : 


نعيب في الناس والعيب فينا

قد يكون خارجها بنظرهم قبيح

ولكنه ليس أكثر قبحاً من حكمهم عليها

فكم من لألئ مدفونة في بيوت مهجورة ونحن لا نعلم . 


الجمال حظ ، الغنى حظ ، القوة حظ ، الصحة حظ 

هذه الحظوظ تُوزع في الدنيا توزيع ابتلاء

وسوف تُوزع في الآخرة توزيع جزاء


لا تتألموا إن لم تكن الصورة والجمال كما تتمنوا

لأن الجمال والقبح بعد العرض على الله

والقوة والضعف بعد العرض على الله

والغنى والفقر بعد العرض على الله 

البطولة من له :

( مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر )