كنا في المطعم نستعد لتقديم وجبة العشاء فى إحدى الليالي ..


وبعد تجهيز الطعام هطلَت الأمطار بشدة ، وأظلمت علينا السماء ، وانقطعت الكهرباء ، وبدأ أهل السوق في المغادرة ، فأشعلنا الفوانيس واتفقنا على المغادرة بعد هدوء الأحوال ، وعددنا الطعام الذي صنعناه خسائر ، إذ لا توجد مبردات كافية ، والمبردات الموجودة لن تنفع مع انقطاع الكهرباء..


وفي أثناء انشغالنا بالحديث رأيت في ظل الفوانيس شيئاً يتحرك في الجهة المقابلة للمطعم..

فحملتُ فانوساً وعصا لظني أنه لص يريد كسر أحد الدكاكين..


اقتربتُ من السواد وعلى ضوء الفانوس الضعيف رأيتُ امراةً معها طفلان في غاية من الضعف والتعب..


فسألتها إن كانت تحتاج إلى شيء..

فقالت: أريد طعاماً لي ولأولادي..


فقدّمتُ لها أحسن ما عندي من الطعام ، وأعطيتها بعض المال..

فبكت المراة بكاءً شديداً..

فقلت: ما الذي يبكيكِ؟

فقالت: تُوُفِّيَ زوجي ، وهذا ثالث يوم لا أجد فيها ما يسد جوعتي وجوعة أطفالي..

قلت لها خيراً وتركتها..


فسمعتُها تتمتم بكلمات منها:

ربي يوسع عليك الليلة زي ما وسعت على أولادي..

قلت: آمين.. وإن كنا خسرنا في هذه الليلة ، فالأمر كله لله ، والمؤمن لا يقنط من رحمة الله..


كانت الأمطار تهطل ، والريح تعصف ، وأنا أستعد لإغلاق المطعم وأحسب الخسائر..

فرفعت رأسي فجأة على صوت حافلة تحمل مسافرين تقف أمام باب المطعم لا أدري من أين جاءت..

نزل سائق الحافلة وسأل: عندكم طعام؟

قلت: نعم..

فنزل من الحافلة أكثر من أربعين مسافراً واشتروا جميع ما لدينا من الطعام ، وصنعنا لهم طعاماً آخر..

وحتى بقايا الخبز الجاف بعناها عليهم مع الشوربة..


وبعد ذهابهم جلست أحسب الأرباح ومعي العمال في عجَبٍ من هذا التحول المفاجئ والربح السريع..


قال أحد العمال: ايش عملت من عمل صالح اليوم؟!


فانتفضتُ كالملدوغ وأنا أتذكر دعوة المرأة وهي تقول: ربي يوسع عليك الليلة زي ما وسعت على أولادي..


فحمدتُ الله ، ثم خرجت تحت المطر أبحث عنها فلم أجدها..

وتذكرتُ قول النبي صلى الله عليه وسلم:

"ما نقَص مالٌ مِن صَدَقَةٍ".


ساق الله المطر لتَشبَع المرأة وصغارها..

وساق الحافلة ليَجزي المُنفق على إنفاقه..


وهكذا الدنيا يُقَبها الله بين عباده لِيَختبرهم ويَبلو أخبارهم وينظر كيف يعملون..


إذا ضاق عليك أمر فتصدق ‏ ففي الصدقة تيسير