يقول أحد الأخوة وهو طبيب أسنان : 

دخلت عليَّ في العيادة امرأة كبيرة في السن، وكان عندي أحد أصدقائي، تريد هذه المرأة اصلاح طقم أسنانها ؟

فقلت لها : أنه يحتاج بعض الوقت


فطلبت العجوز أن تصلي على كرسي ريثما أصلح لها طقمها، فالبيت بعيد والوهن شديد ولن تقدر أن تذهب وتعود .


بدأت صلاتها وعدت مع صديقي نكمل موضوعنا عن الرزق والفرج وضيق الحال وتعب الناس، وأنا أصلح لها طقم الأسنان .


أنهت صلاتها وسلّمت وحمدت ربها، والتفتت إلينا وقالت : 

يا ابني، أنت تطلب من الله بصدق وعلى طريقتك، وهو سوف يعطيك من كرمه وفضله وعلى طريقته .


وبدأت بسرد قصتها لنا : 

تقول : تزوجتُ وأنجبت أربع أولاد ولم أتفق في حياتي كلها مع زوجي، صبرت وصبرت، وانفصلنا وعمري ٥٠ سنة !

حزنت وأصابني الكدر، وشعرت بالحرقة والوحدة، فالأولاد معه لأني لا أستطيع إعالتهم لفقر الحال.


وجدت خلال عُدّتي أنساً بربي، استأنست به وناجيته كثيراً، وطلبت منه الحج !!

الحج الحج يا ربّ، طلبتها بصدق في السر والعلن 

استغرب أهلي مني، أنت معتدّة وحالنا فقير، وليس لديك محرم،

كيف ذلك ؟!

كنت أقول لهم : دعوني أنا وربي، لا شيء عليه عسير .


انقضت العدة، وزارتني صديقة تحمل معها صورة رجل من المدينة المنورة، ماتت زوجته ويريد الاقتران بأخرى !!!

رفضت بشدة، لست بصغيرة، وأولادي شباب، والأهم أن عمره جاوز التسعين !!

قالت لي : ألا  تريدن الحج ؟!

اجعليه سبباً لذلك

بعد تفكير طويل وافقت .


نزل إلى الشام لأيام قليلة، يوم زارنا فيه، ويوم آخر أتممنا فيه عقد الزواج، والثالث كان سفره به فجراً !


أوصلني أهلي لغرفته بالفندق لأقضي معه تلك الليلة الوحيدة !!!

لم يكن بيننا شيء، وعند الفجر سيسافر عائداً لبلده.


يقول الطبيب : أطرقت المرأة رأسها خجلاً وهي تتحدث

 

ثم قالت : دخلت على الرجل الغريب كان متعباً جداً، ويعاني من ربو وضيق تنفس شديد، وقال أن سبب ذلك اختلاف الجو !

صلينا العشاء وقال لي : 

اسمعي يا بنت الناس، أنا متعب وصدري يؤلمني، سأرحل غداً وأسجل الزواج في بلدي، وسأستحصل لك على تأشيرة دخول، وخلال أسبوع تكونين عندي بإذن المولى، وفي بيتنا سنأخذ راحتنا !!!


قالت بخجل شديد : صدقوني يا أولادي أنه لم يلمس يدي حتى !!

ونمنا، وصباحاً أوصلناه للمطار وهكذا كان.


بعد خمسة أيام وصلتني التأشيرة مع تذكرة الطائرة، فودّعت أهلي وسافرت لزوجي .

كان ابنه البكر في انتظاري

قال لي : الجميع في انتظارك في البيت الكبير..

وصلت لبيت زوجي، استقبلتني وجوه كثيرة وغريبة !!!

أولاده وبناته وأحفاده، إلا هو ؟!!!!

سألت عنه ؟!

قالوا : توفي بعد عودته بثلاث أيام !!!

أصابتني الدهشة !!!

وقلت : لمَ لم تخبروني ؟!

أجابوا : سألنا شيوخنا، وأفادونا أن الزواج شرعي وكامل، والأفضل أن تأتي وتقضي العدة في بيت زوجك وبيتك، وتأخذي ميراثك كاملاً .


ليس لكم أن تتخيلوا الدهشة ووقع الأمر علي !!!


المهم، كانت العدة سجن داخل سجن داخل سجن

فقد، وحبس، وغُربة !!!


عاملني أبناء زوجي بكل حب وانسانية، ولما انقضت العدة كنا على أبواب ذي الحجة..

فسألت ابنه البكر أن يرافقني للحج إن تكرّم ؟!

فأجابني لطلبي 


حججت ذلك العام، وعدت ليخيروني العيش بينهم أو العودة لبلدي ؟!

فاخترت العودة

كان زوجي لايملك سوى البيت الكبير

قدّروا الثمن وأعطوني حقي، ومؤخر صداقي وطقم ذهب كان قد اشتراه لي قبل وفاته .

وضعتهم في كيس داخل كيس داخل كيس، وحملتهم في شنطة يدي..


في المطار كيف والله لا أعرف، كيف سُرقت تلك الشنطة إلى اليوم لا أعرف !!!!

وعدت لبلدي كما خرجت، ولم أحظ من تلك التجربة إلا بالحج .


لكني حين سألت الله سألته بصدق، وكان قد أخبرني في كتابه الكريم :

﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ﴾


فأنا أطلب من ضعف، وهو يعطي من فضل


بعد فترة من وصولي يخبرني ابن زوجي أن الوالد كان موظف وله راتب تقاعدي يؤول بعد وفاته لزوجته..

فبتّ أستلم كل شهر راتب زوج الليلة الواحدة !

وهو مال حفظني من سؤال الناس وأعانني على العيش بكرامة.

ومازلت للآن وبعد ثلاثين سنة أساعد به أولادي وأحبابي !!


صدقوني يا أبنائي أني أترحم عليه كل يوم وأذكره كل يوم

ولا أكاد أذكر أبو أبنائي الذي عشت معه دهراً .


كان قد انتهى تصليح طقم أسنانها حين ختمت حديثها قائلةً :

( اسأل الله يا ولدي ما تريد، وهو يعطيك من فضله )


غادرتنا وبقيت قصتها في رأسي لا أنساها أبداً .


أخي المؤمن أختي المؤمنة 

انظروا  كيف يدبر الله الامر لعباده

انظروا الى كرم رب العالمين وفضله


أنت علاقتك مع الله، علاقتك مع الذي بيده كل شيء

قال لك : عبدي اطلب تُعطَ، لا أكلفك إلا أن تطلب بصدق، اطلب بصدق وأنا أعطيك كل شيء، على خلاف ما يقال لك : الظروف صعبة، الدخل قليل، الضغوط عالية، الأسعار مرتفعة، وعود الله عز وجل فوق الزمان والمكان، وعود الله عز وجل فوق كل المعطيات، وعود الله عز وجل فوق كل الظروف .


فقط نلجٱ الى الله مخلصين له الدين وندعوه ونتضرع اليه وسنجد العجائب من الرزق والفرج إن شاء الله .