دخل غريب بلدة وهو ينادي "أنا سياسي، أحل المعضلات والمشاكل بين البلدان، بين العشائر وبين الشخصيات أنا سياسي"...سمعه الملك وهو جالس في قصره فقال لرجاله: آتوني بهذا المنادي.



دخل الرجل وبعد التحية والسلام سأله الملك: أأنت سايس (مروّض الخيول)؟؟


قال السياسي: لا... أنا سياسي.


فقال الملك: لا... أنا سمعت إنك سايس، واليوم تم تعيينك عندنا سايساً للخيل، ولي فرس أحبها وأريدك أن تهتم بها.


ردّ السياسي: أنا لست سايساً، أنا سياسي.


قال الملك: قلت لك إنك سايس وإلا أعدمتك.


فما كان من الرجل إلا الامتثال لأمر الملك خوفاً من الإعدام، فتسلم الفرس من السايس السابق وحذره قائلاً: هذه الفرس أعزُّ على الملك من روحه، احذر أن تخبره بعيوبها وإلا أعدمك.


التفت السايس إلى الملك قائلاً: مولانا أمَا تعفيني؟


قال الملك: لن أعفيك أبداً، قد عينتك سايساً، فنادى على خدمه: حضّروا للرجل غرفة وفراشاً وأعطوه ثلاث وجبات مرق ورز ليباشر مهمته ويسوس الفرس.


باشر الرجل عمله وبدأ يسوس الفرس، وبعد عشرين يوماً

هرب خوفاً من الملك، فأمر الملك بإحضاره وسأله لماذا هربت؟ ربما قد وجدت عيباً في الفرس.


قال الرجل مولاي اعفني.


قال الملك: أخبرني ماذا وجدت في الفرس وإلا أعدمتك.


فقال الرجل: إذاً أعطني الأمان.


قال الملك: لك الأمان.


قال الرجل: هذه الفرس أصيلة، وكل من أخبرك أنها رضعت من أمها الأصيلة اسمع ولا تصدق!!


حمل الملك سيفه لقطع رأس الرجل وقال له كيف تقول عن فرسي إنها لم ترضع من أمها الأصيلة... ثم أمر خدمه برمي الرجل في السجن، وأرسل في طلب الوزير الذي أهداه الفرس وسأله قائلاً: كيف تعطيني هذه الفرس وهي لم ترضع من أمها الأصيلة؟!


قال الوزير: مولاي سامحني لقد ماتت أمها عند ولادتها ولم يكن لدي إلا بقرة واحدة فأرضعتها.


أمر الملك بإخراج الرجل من السجن وقال له: أخبرني كيف عرفت أن الفرس لم ترضع من أمها؟


قال الرجل: الفرس الأصيل عادة تأكل في معلف أو تعليقة في رقبتها وهي مرفوعة الرأس، أما فرسك يا مولاي فإنها تبحث عن الطعام على الأرض مثل البقر.


فقال الملك للخدم: خذوا الرجل أعطوه دجاجاً وأطعموه جيداً، وأمره هذه المرة أن يسوس زوجته الملكة وقال سوف ألحقك بخدمتها!!


توسل الرجل: مولانا اعفني جزاك الله خيراً...


قال الملك: عليك تنفيذ أوامرنا.


ذهب أحد الخدم للملكة يخبرها أن خادماً جديداً سيكون نديماً ومستشاراً لها بأمر من الملك، ولتطلب منه قضاء حاجاتها.

ثم بعد فترة من الزمن سأله الملك: قل ماذا وجدت؟


فقال الرجل متوسلاً أن يعفيه، لكن الملك أصرّ ليعرف ماذا وجد في الملكة وأعطاه الأمان.


قال الرجل: إنها تربية ملوك وشرف ملوك وأخلاق ملوك وكرم ملوك، لكن من قال لك إنها بنت ملوك اسمع ولا تصدق!


جُنَّ جنون الملك وقال له: كيف تقول أن زوجتي ليست بنت ملوك، وأمر بسجنه وقطع الطعام عنه.


وذهب الملك إلى أم الملكة وأبوها، وهو ملك مملكة مجاورة وشهر سيفه عليهما ليعرف قصة زوجته.


فقصا عليه قصة البنت: كانت ابنتنا لك وأنت لها، وهذا كان اتفاقاً بيننا وبين أبيك الملك منذ أن كان عمرها سنتين، وكان أبوك ملكاً ظالماً، لكن أصابت ابنتنا الحصبة وماتت، وفي هذا الوقت أمرنا أبوك بإجلاء الغجر عن المنطقة، فطردناهم وحرقنا بيوتهم، وخرجت لأرى ما حل بهم، فوجدت طفلة عمرها عامين وحيدة قرب الوتد، فأخذتها وربيتها...


رجع الملك لبلدته وأمر بجلب الرجل من سجنه وسأله كيف عرفت بسر زوجتي؟

قال الرجل: مولاي إن لها غمزة بعينها وهي من عادات الغجر يتغامزون عندما يتكلمون!


فقال الملك هذا الرجل داهية! أطعموه خروفاً عند الصباح وآخر عند الغداء وثالثاً عند العشاء وتجلس هنا تسوسني!!


هنا اضطربت فرائص السايس واحتار كيف يخلص من هذا المأزق وتوسل لكن لا فائدة، فالملك مُصِرٌّ ليقوم الرجل بمهمته الجديدة...


هرب الرجل من ليلته فجلبه وسأله عما عرفه عنه!!


قال السايس بعد الأمان له: من قال لك إنك ابن ملك اسمع ولا تصدق، اذهب وابحث عن اصلك.


فذهب الملك إلى أمه وقال لها: أنا ابن من؟ وأصرّ عليها واستحلفها.


فقالت له أمه: كان ابوك ظالماً ولا ينجب، يتزوج البنت، وبعد تسعة أشهر إن لم تلد يذبحها، وعلى هذا المنوال قضى على نصف بنات المملكة، حتى وصل الأمر إلي، فأنقذت نفسي مع طباخ القصر... نعم أنت ابن الطباخ!


رجع الملك إلى السياسي وسأله كيف عرفتني؟


قال له: معروف أن الملوك تهب وتعطي ذهباً وفضة، أما أنت فتعطي مرقاً ورزاً ولحماً ودجاجاً !!