يُخلِّد التاريخ من كان لهُ أثراً كبيراً في وضعِ علامةٍ فارقة في جُغرافيا الوطن، ولعلَّ قيمةَ الإنسانِ لا تُعرف إلّا بما فعلهُ لا بما قاله، رُبَّما هناك أقوالٌ كثيرة؛ ولكنّ العمل بها يبقى شيئًا آخر لا يتمكن من إنجازه سوى الطّموحين والعظيمين فِكراً وذاتًا وروحاً وأخلاقًا، وبالتّأكيد حديثُنا هنا يقتصر على المُـتفرِّد فنًّا "بسام كوسا"

فنانٌ غنيٌّ عن التعريف، لا يسعنا سوى الحديثُ عنه وعن شتّى إنجازاته التي تركت أثراً واضحاً في عقلِ وقلبِ جميع من عرفه، فقد صنع بثقافته وذكائه لوحاتٍ فنيّة لا يمكن الإتيانَ بمثلها حتى بعد العديد من الأحقاب، لوحاتٍ زُخرفت بنجاحٍ مُنقطع النّظير، وبأدوارٍ ذات رسالةٍ هادفة  وصريحة، وبكلِّ تأكيدٍ لهذا الإبداع كُلَّه موهبةً جبّارة ذاتُ قيمةٍ مميّزة ومُهمّة لا نزال نستذكرها ونرغبُ برؤيتها مُجدداً بين الثّنايا المُبهرة للدّراما 


البسّام كان دائماً يتركُ تفاصيلاً من حنينِ الماضي وروحه الموجودة في كلِّ عملٍ من أعماله، جميعنا نلجأ إلى ما يذكرنا بدفء العائلة ولقطاتٍ حنونة تُعبِّر عمّا يجول بداخلنا،  وأغلب تلك اللّقطات و الأماكن تكون من أعمالِ البسّام مثل "أحلام كبيرة" الذي لا يزال مشهد البسّام الأخير فيه من أفضل المشاهد الواقعيّة والتي تحصلُ في وقتنا هذا، فلم يكن فقط أبٌ لِـ عُمر وسامي ورشيد؛ بل كانَ أبًا لجميع من شاهده، فهذا إذا دلَّ على شيءٍ فسوف يدلُّ على مدى قوّته وتقمّصه للشّخصية المذكورة، أمّا عن مسلسله الآخر "الفصول الأربعة" الذي حظيَ بشعبيّة كبيرة للحظتنا هذه، فقد كان دور "نجيب"واحدًا من أهمّ ما قدّمه؛ لأنّ دوره كان ذو هدفٍ و قصةٍ واضحة بُنيت من فروقاتٍ بين غنيٍّ وشخصٍ يعيشُ بمعاشٍ مُحدّد يميل إلى الفقر، جسّد الدّور بكامل الإتقان والبساطة، بإقناعٍ استطاع أن يضعنا في توقعاتٍ على أن الشخصيّة حقيقيّة وليست تمثيليّة فحسب، وبقيَ البسّام مُختلفاً في تأديته للأدوار والتي قادته إلى صدى كبير ك دور بدر في مسلسل "ما وراء الشمس” الذي قدّم فيه شخصيّة رجل مصاب بالتّوحد وحاز عن هذا الدور عدة جوائز منها في مهرجان "الموركس دور" و”أدونيا” و”جوردان أووردز” 


وبالجهة المقابلة رغب نورهُ بالسّطوع أكثر ليلامسُ أعماله الشاميّة الواصبة في مكانةٍ راقية لدى المُتلقين، ليتفرَّد بها البسّام ويُعطيها كاملَ حقّها ومُتطلباتها، وبمهارةٍ استطاع أن يخطف الأضواء من مُختلف طُرقها، فقد حظيَ بشهرةٍ كبيرة بعد تأديته لأدوارٍ وضعته في طريقٍ مُكلّل بنقط إبداعٍ ساهمت في صنع مسيرته المُشرِّفة والتي جعلت منه قدوةً لكلِّ شابٍ  شاهده، منها شخصيّة نصار في مسلسل "الخوالي"، التي كانت من بين أفضل الشّخصيات الشّاميّة بامتياز، وشخصيّة الادعشري في مسلسل "باب الحارة"، التي استطاع أن يُبرز فيها أكثر تميّزه بأداء مُختلف الشخصيات سواء على الصّعيد المسرحي أو الدّراميّ التّمثيليّ، وعن شخصيّة المخرز في مسلسل "ليالي الصّالحيّة" التي كانت أيضاً نقطة تحوّلٍ أخرى ونقطةَ إبداع مُستمرة بعظمتها ووصولها إلى المتلقي بشكلٍ مُهم ورائع، أمّا أعماله الكوميديّة فقد كانت جسراً يتنقل فيه ما بين موهبته ودراسته للدّور واحتياجاته، ليُضحكَ العديد من جمهوره الغافر بطريقةٍ ساحرة، تُعبّر عن طُغيانه على مُمثلي جيله و على عظمته في كل ما يقدّمه، بأدائه للعديد من الأعمال الكوميديّة منها السّاخرة مثل دور خليل في مسلسل "ضبّوا الشناتي"، ودور ناظم في مسلسل "قانون ولكن"، ومنها الكوميديّة الصّريحة مثل لوحات "بقعة الضوء"  الشّهيرة، وأيضاً أعماله التي كانت تتناول القضيّة العامّة مثل "عالمكشوف"،فقد كان يستعرض هذا المسلسل مشاكل اقتصاديّة واجتماعيّة في قالب كوميديّ ساخر، فقد كان دوره هذا بيانٌ آخر على عظمته واختلافه 

أمّا بعد فقد كان  يُعتبر دائماً الورقة الرّابحة في كلِّ عملٍ عُرض عليه أو كانّ فيه، فلا يُمكن أن نراه بأعمال عاديّة أو غير مميزة، فبعد بروزه في الفنِّ السّوريّ والعربيّ أصبح الرّكيزة الأساسيّة التي لا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها، وحالةً إبداعيّة لا تُشابه أحد، وموهبةً قويّةً سُخِّرت لترفع من جودة و سويّة الدّراما السّوريّة والعربيّة، ليُعطي بذلك العديد من المهارات، ويُلهم العديد من المُتلقين، وليبقى أفضل من خلّده التاريخ ووضع اسمه تحت شُرفةِ المُبدعين والمؤثرين.