الجميلية مقهى العطري ،الشبان يلعبون الورق 

دخل ورق الشدة الى المنطقة العربية نهاية القرن التاسع عشر ،وذلك مع الاورطة ( الفرقة ) المصرية التي ساهمت في حرب المكسيك ،حيث تعلم الجنود لعب الورق خلال رحلتهم الى هناك .

ويمكننا ملاحظة الاصل الاسباني في تسمية (تريسي ) ويقصد بها رقم ثلاثة .

انتقل لعب الورق من مصر الى فلسطين ثم سوريا ولبنان ،وكان يقتصر على القمار  ولم يحظ بشعبية في حلب ،حيث كانت المنقلة والبرجيس هي الالعاب الشائعة في سوريا .

بني مقهى العطري في الثلاثينات من القرن العشرين وكان ملكا ليهودي حلبي يدعى ادمون صفرا من يهود السفارديم ( الاندلس ) ،ويتميز المقهى بلون واجهته الصفراء .

وكان مقهى يرتاده المثقفون وطلاب التجهير ،يقدم الاركيلة والقهوة والشاي ،ويقدم الحمص الذي يحبه اهل حلب .

ولاتعلم حكايات من حلب ان كان ادمون صفرا هو المالك الحقيقي ام انه مستثمر للمقهى ،ونجدها فرصة لكي نسأل  آل  العطري الكرام أن  يزودنا بمعلومات عن ملكية المقهى في التعليقات  .

لم يكن لعب الورق منتشرا بين الشبان ،بل كانت متعتهم في النقاشات السياسية والحلم بالمستقبل .

لكن نهاية الاربعينات دخل الشبان في حالة احباط كان لها سببين :

الاول : خسارة نصف ريف حلب ( لواء اسكندرون ) عام 1939 .

الثاني : نكبة فلسطين عام 1948.

فهم الشبان حينها انهم لم يعودوا تلك الامة القادرة على حماية حدودها وان كل نقاشاتهم السياسية عبثا .

انخرط الشبان في لعب الورق لقتل الوقت والنسيان ،وبدأ الضياع الحقيقي للأمة .

المرأة  تكره الورق ،لأنه يأخذ منها زوجها ،والاطفال يكرهون الورق لأنه يشغل الاب عن الحديث معهم ،فهو منشغل بالتركيز والاحصاء والتقطيش طيلة الليل .

وبالعودة الى ادمون صفرا فإنه هاجر الى البرازيل عام 1952واسس اول مؤسسة مالية في سان باولو ،ونمت من مليون دولار الى خمسة مليارات دولار عام 1955.

ثم افتتح في جنيف بنك التنمية الذي نافس المصارف السويسرية ،فافتتح خمسين فرعا له في الولايات المتحدة ( مانهاتن وبروكلن ) واصبح من عمالقة وول ستريت .

وكان ادمون صفرا كريما ومحبا لمدينته حلب ،وقال لأحد الصحفيين في مقابلة :

- اعطيك جزءا من ثروتي مقابل كأس شاي ونفس اركيلة في مقهى الجميلة ويقصد مقهى العطري .

توفي ادمون صفرا مختنقا نتيجة حريق شب في بيته في موناكو هو وممرضته عام 1999 ,ودارت الشكوك حول ممرضه( تيد ماهر )وهو امريكي من اصل عربي ،والذي اتهمته الشرطة بافتعال الحريق ،واعترف( تيد ماهر )انه هو من اشعل النار ولكن ليس لاسباب سياسية وانما اراد ان يبدو كبطل امام معلمه ادمون صفرا ،بحيث يشعل النار في المنزل ثم ينقذه من موت مؤكد  ،فيجزل له العطاء ويقربه منه ،لأن ادمون صفرا كان  كريما الى درجة الجنون مع من يحبهم .

لكن حساب السوق لم يطبق على حساب الصندوق ،اذ قام الدخان بخنق ادمون صفرا،وادين ماهر بالقتل العمد دون سبق اصرار .

كتب صفرا في وصيته ان امواله وارباح بنوكه تذهب كلها لجياع افريقيا واللاجئين في كل انحاء العالم وذلك باشراف الامم المتحدة .


الورق آفة اجتماعية تراجعت في التسيعينات بفضل آفة اكثر خطرا ،وهي العاب الفيديو مثل الكونتر اتاك والفيفا ،ثم جاء السمارت فون ليدخل الناس في دوامة غير منتهية من الالعاب وقتل الوقت الثمين .

وبما ان تصفح النت شر لابد منه ،فإن حكايات من حلب تحاول ان يكون هذا التصفح ذو فائدة ومعنى ،فإذا انتهيت من قراءة هذا المنشور ،اغلق التليفون واخرج الى الهواء الطلق ،لأنه في الحركة بركة ،وربما  اثناء خروجك  تصادف امرا فيه خير لك .