دخول جيوشهم لبلاد العرب بعد أن كانت كل جيوشهم في أوروبا، فخف الضغط عن أوروبا وأصبح العثمانيين مدافعين والأوروبيين مهاجمين


كانت الدولة العثمانية قبل السلطان سليم دولة قوية، وتشكل حاجز دفاع لبلاد العرب ودرعا يحمي العرب من الأطماع الأوروبية، حيث كانت جيوش الدولة العثمانية كابوسا على أوروبا، فكانت بلاد أوروبا تسقط أمام العثمانيين كأحجار الدومينو.


ولكن في عهد السلطان العثماني سليم قام بتحويل إتجاه جيوشه من الغرب الأوروبي إلى الجنوب العربي، فضاعف مساحة الدولة العثمانية ثلاث مرات ولكن في نفس الوقت خف الضغط عن أوروبا حينما أصبحت أغلب جيوش الدولة العثمانية في بلاد العرب بعد أن كانت كلها في بلاد أوروبا، وأصبحت جيوش الدولة العثمانية موزعة على مساحات شاسعة متباعدة بعد أن كانت مركزة متقاربة.


وهذا أدى لقلب المعادلة لاحقا، فانخفضت وتيرة الفتوحات العثمانية في أوروبا ثم توقفت ثم أصبحت أوروبا هي المهاجم وهي التي تسيطر على أراضي العثمانيين، وحتى على البلاد العربية التي تحت الحكم العثماني.


وهذا الإستنتاج ليس له علاقة بحب أو كره الدولة العثمانية، بل هو من منطلق الإنصاف، واليمن أفضل مثال لتأكيد هذا الإستنتاج، فخلال الحكم العثماني لليمن تم إرسال اكثر من 17 جيشا لإخماد الفتن فيها، فلو أرسل العثمانيون هذه الجيوش ال 17 إلى أوروبا لسيطروا على أراضي أكبر من مساحة اليمن بأضعاف.


وحتى هذه الجيوش ال 17 لم تحقق هدفها في السيطرة على اليمن، وتم إبادتها، لدرجة أن دفتردار مصر أحمد حلبي قال:


«ما رأينا مسبكًا مثل اليمن لعسكرنا، كلما جهزنا إليها عسكرًا ذاب ذوبان الملح ولا يعود منه إلا الفرد النادر».


وضياع هذه الجيوش في بلاد العرب أدى لضعف الدولة العثمانية لاحقا، وكذلك قلل الضغط على الممالك الأوروبية بسبب إنخفاض عدد الجنود العثمانيين في أوروبا، مما أدى لاحقا الى زيادة قوة أوروبا، وفي نفس الوقت زيادة ضعف الدولة العثمانية لإنتشار جنودها وانشغالها بالبلاد العربية.


وأما من يقول بأن ضم البلاد العربية أدى لزيادة عدد الجيش العثماني، فأقول بأن هذا الكلام خاطئ حيث أن الجيش العثماني زمن سليم ومن أتى بعده كان يعتمد على الإنكشارية من الاطفال والغلمان الذين يتم جلبهم من أوروبا وتربيتهم تربية عسكرية، وأما التجنيد من البلاد العربية والتركية فلم يبدأ إلا في القرن التاسع عشر ميلادي 


وأما من يقول بأنه لولا العثمانيين لكانت البلاد العربية اليوم تتحدث الإسبانية والبرتغالية ولكان العرب اليوم كاثوليك وليسوا مسلمين، فأقول بأن عُمان والمغرب الأقصى لم يخضعوا للحكم العثماني وما زالوا إلى اليوم مسلمين ويتحدثون اللغة العربية.


وأما من يقول بأن الصفويين هم من أجبروا سليم أن يحول إتجاه جيوشه فأقول بأن الصفويين جهتهم شرقا وليس جنوبا، وكذلك سليم كان يستطيع أن يقضي عليهم بعد أن إنتصر عليهم في معركة جالديران عام 1514م وحينما دخل عاصمة الصفويين تبريز ولكن سليم لم يلاحقهم وكذلك إنسحب من تبريز بعد أسبوع.


وأما من يقول بأن هنالك خطر بحري برتغالي فأقول بأن خير وسيلة للدفاع هو الهجوم فالواجب أن يتم قتالهم في بلادهم، وكذلك المماليك إنتصروا على البرتغاليين في معركة تشاول عام 1508م وأيضا المماليك اخرجوا البرتغاليين من البحر الأحمر بعد ان انتصروا عليهم في معركة جدة عام 1517م وكان هنالك ترتيبات لإخراج البرتغاليين من المحيط الهندي بالتحالف مع سلطنة گجرات وكاليكوت في الهند.


وأما من يقول بأن العثمانيين حموا البلاد العربية من السقوط بيد أوروبا فأقول بأن فرنسا إحتلت الجزائر عام 1830م وتونس عام 1881م وهما تحت الحكم العثماني، وكذلك مصر سقطت عام 1882م بيد بريطانيا وهي تحت الحكم العثماني، وليبيا سقطت بيد إيطاليا عام 1911م وهي تحت الحكم العثماني، وهذا غير البلاد العربية التي ضاعت بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.


ولكن لو لم يدخل السلطان سليم بجيوشه العثمانية للبلاد العربية، لإستطاعت الجيوش العثمانية أن تفتح جميع بلاد أوروبا خلال قرنين، فمن الذي يصدق بأن الدولة العثمانية زمن مراد الأول وبايزيد الصاعقة ومحمد الفاتح الذين كانوا يدخلون البلاد الأوروبية بلدا بلدا هي نفس الدولة العثمانية زمن مصطفى الثاني وأحمد الثالث ومحمود الثاني الذين كانوا مجبرين على التنازل لأوروبا على أجزاء من بلاد فتحها أجدادهم.


وبهذا أصبحت الدولة العثمانية تسمى الرجل المريض الذي يطمع الأوروبيين بأخذ وتقاسم أملاكه، بعد أن كانت الدولة العثمانية رمزا ومصدرا للرعب على أوروبا بأسرها.

******************

كتب بقلم:

المؤرخ تامر الزغاري

******************