قال محمود فهيم، سكرتيره وحارسه الخاص: حين كنت في طريقى من الإسكندرية إلى بيت عبدالناصر لأستلم عملى لأول مرة. كنت أتخيله قصرا أو منزلا فخما يليق باسم عبدالناصر الذي كانت أصداؤه تتردد في جنبات الكون كله.. ولكنى فوجئت ببيت متواضع «أقرب ما يكون إلى دوار العمدة أو شيخ الخفر في إحدى القرى المصرية».. وحين سألت عرفت أنه كان مجرد استراحة لمدير المدرسة الثانوية العسكرية. وقد اختاره عبدالناصر ليقيم فيه بعد أن أصبح رئيسًا لمصر. دون أن يضيف إليه أي تحسينات تناسب وضعه الجديد. وحين فاتحت الرئيس في هذا الأمر وطلبت منه أن ينتقل إلى بيت أفضل يليق به. رفض أن أتحدث معه مرة أخرى في هذا الشأن.

ولكن بعد أن كثرت زيارات زعماء العالم ورؤساء الدول إلى بيت عبدالناصر. بدأ يقتنع بأن البيت أضيق من أن يتسع لهذا العدد الكبير من الوفود الزائرة ما كان يسبب لنا وله الإحراج في كثير من الأحيان أمام زائريه من الأجانب.. فطلب من الأشغال العسكرية أن تجرى بعض التوسعات به. دون أن يزودنا بأى تعليمات أو طلبات خاصة.

وذات يوم من أيام إقامته بقصر الطاهرة. طلب منى أن اذهب إلى الطباخين لأخبرهم أن الرئيس لا يريد لحوما مشوية أو محمرة. وأنه لا يريد سوى صنف واحد على الغداء.. وفى العشاء لا يريد سوى الجبن والزيتون فقط.

كما يقول محمود فهيم - كنا نتمشى في أحد الشوارع بالإسكندرية. وفجأة ظهرت أمامنا عربية «كارو» يجرها حمار.. قطعت علينا الطريق. فطلبت من الرئيس أن يوقف السيارة بسرعة فأحدث صوتا مزعجا. تسبب في اضطراب الحمار وصاحبه.. ووجدت الرئيس يطل من نافذة السيارة ويعتذر للرجل بالرغم من أنه كان هو المخطئ!

وفى إحدى المرات - كما يتذكر فهيم - كنا ذاهبين إلى الإسكندرية بالطريق الصحراوى. كان عبدالحكيم عامر يرافقه في سيارته. بينما كنت أنا في سيارة الحرس خلفهما.. وعند مدخل الإسكندرية أوقفنا واحد من عساكر المرور. ثم أخذ يدور حول السيارة «الكاديلاك» التي يركبها عبدالناصر وأخذ يتفرسها بطريقة تنم عن الشك في أصحابها.. فنزلت من السيارة فورًا وتقدمت من العسكري لأنهره، ولكن عبدالناصر أوقفنى بإشارة من يده. ثم قال لى.. «خد اسمه» وهنا انتبه العسكري حين نظر فجأة إلى داخل السيارة فوجد عبدالناصر وعبدالحكيم.

تركنا العسكري على حاله ومضينا في طريقنا. وقبل أن نقطع خمسين مترًا وجدت عبدالناصر يوقف سيارته فجأة ليطلب منى أن أعود إلى العسكري وأطمئنه «لأن العسكري الغلبان مش هينام الليلة دي»!!

----

يقول سكرتيره الخاص:محمداحمد  ..ان  عبدالناصر لم يكن من النوع «الأكول» وقد تصور الطباخون أن انتقاله إلى القصر سوف يغير من عاداته في الطعام لتتناسب مع حياة القصور الضخمة. فأخذوا يعدون له أصنافا كثيرة من أنواع الطعام الفخمة التي لم يكن قد اعتاد عليها في بيته. وخشى أن يكلمهم بنفسه فيشعرون أنه غير راض عنهم. فطلب منى أن أحمل رسالته إليهم حتى لا يجرح مشاعرهم!!