يحكى أن حاكماً متسلطاً كان لديه مستشار حكيم عاقل، وكان هذا المستشار يردد عند كل حادثة وأمر جملة: «خير إن شاء الله .» وفي مرة كان الحاكم وحاشيته على مائدة الطعام، فأصاب الحاكم أصبعه بالسكين في أثناء التقطيع، وانتثرت دماؤه، فهب إليه الجميع ومعهم المستشار الطيب وهو يردد: 


«خير إن شاء الله، خير إن شاء الله، خير إن شاء الله .» فغضب عليه الحاكم غضباً شديداً، وقال له: أي خير في أن تقطع السكين أصبعي؟ أنت أحمق، خذوه إلى السجن ليتأدب. فسحبه الجند وهو يردد: «خير إن شاء الله ». 


فقال الحاكم: هذا الأحمق يقاد إلى السجن ويقول خير!! لتقضِ بقية حياتك في السجن حتى تعرف الخير. 


وبعد فترة قريبة جاء موسم الصيد، وكان الحاكم يذهب مع حاشيته إلى الغابة لصيد الغزلان، والغزال حيوان حذر وحساس، يتطلب صيده ترقباً وصبراً، كان الحاكم يدخل إلى الغابة وحده برفقة المستشار فقط، ولأن المستشار مسجون، دخل الحاكم ورأى غزالاً بمفرده، وبينما هو يتعمق في الغابة، ويتابع الغزال، تفاجأ برجال من قبيلة متوحشة أمسكوا به وقيدوه وهو يصرخ وينادي، ولا أحد يسمعه؛ لبعده عن الحاشية. 

أخذته القبيلة، واتضح أنهم يريدون تجهيزه قرباناً لآلهتهم، واستسلم الحاكم لقدره، وأخذ يبكي ويتذكر أحواله وتسلطه على الناس. وفجأة حدث جدال وخلاف كبير بين أفراد القبيلة، ثم جاؤوا إليه وفكوه، وقالوا: اذهب لا حاجة لنا بك! فتعجب الحاكم وقال: هل هذه خدعة لتقتلوني وأنا أهرب؟ قالوا: لا، لقد اتضح لنا أن أصبعك مقطوع، وهذا لا يناسب آلهتنا، يجب أن يكون القربان مكتملاً بلا عيب ولا نقص، فذهب الحاكم يركض وهو يبكي ويردد: «خير إن شاء الله »، متذكراً كلام المستشار، وكيف أن قطع أصبعه كان خيراً له فعلاً، وذهب إليه مباشرة في السجن، فأخرجه، وقبَّله، واعتذر منه، 

وقال له: لقد حصل معي عجب، وأنقذني الله من الموت بأصبعي المقطوع. ولكن أخبرني أيها المستشار أي خير في أن أدخلتك السجن؟ قال: يا مولاي.. ألست أرافقك وحدي دائماً في الغابة؟ قال الحاكم: بلى! فقال المستشار: فإن لم أكن في السجن لأمسكوني معك، ولأطلقوك وقدموني قرباناً، فأنا لا عيب لدي، ولا أصبع مصاب، فضحك الحاكم وتعجب من تقدير الله سبحانه، وقال: الآن أيقنت بأن كل سوء قد يكون وراءه خير لا نعلمه.

٩