2022-08-11 ليس هناك من يعتاد الموت والقتل والدمار، رغم أن غزة باتت مكاناً للموت والدمار الموجه عن بعد منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، أي منذ أكثر من عقدين من الزمان، وخصوصاً بعد سيطرة حركة حماس على غزة عام ٢٠٠٦. فليس هناك معركة فعلية أو حقيقية يخوضها الفلسطينيون العزل المحاصرون في غزة، وإنما هو قرار بموتهم يأتي من قبل إسرائيل لارهابهم واجبارهم على الرضوخ، في ظل عالم يقف إما متآمراً أو متفرجاً. وتتحكم إسرائيل بحياة الفلسطينيين ومصيرهم ومستقبلهم، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتستخدم أساليب مختلفة لاجبارهم، لتبقي سيطرتها الفعلية على فلسطين، وتستكمل تحقيق أهدافها في جانبي الوطن المحتل على المدى البعيد. ولا تخفي إسرائيل سياستها تجاه غزة منذ سيطرة حركة حماس عليها، اذ تقبل بوجود جماعات مسلحة عسكرية فيها، على رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، في سبيل تقويض وحدة الكلمة والصف الفلسطيني، والحفاظ على حالة الانقسام، التي تضعف مكانة السلطة الفلسطينية سياسياً، لاستخدام ذلك ذريعة لمنع فرص الوصول إلى حل سياسي مع الفلسطينيين. ورغم قبول إسرائيل بسيطرة حركة حماس المسلحة على غزة، الا أنها تشترط الهدوء، أي تحجيم المقاومة، وتفرض لتحقيق ذلك على غزة حصاراً منذ أكثر من عقد ونصف، وخاضت أكثر من جولة قتال دموية، كانت آخرها جولة الأيام الثلاثة الأخيرة قبل أيام. ودفعت غزة في سبيل تحقيق إسرائيل لذلك الشرط  فقراً وتخلفاً وبطالة تعد من أعلى المعدلات في العالم نتيجة للحصار، وخسر أكثر من أربعة آلاف غزي لحياتهم، بالإضافة إلى عشرات الالآف من المعاقين والمشوهين، معظمهم من المدنيين، بسبب اعتداءات إسرائيل وهجماتها على غزة. لا تأبه إسرائيل بالطبع لخسائر الفلسطينيين، وإنما تستخدم معاناتهم لتحقيق أهدافها المتفق عليها من قبل تياراتها وأحزابها المختلفة، والتي قد تختلف فيما بينها فقط في أسلوب أو طرق تحقيقها، ومن هنا نبدأ بوضع عدد من الملاحظات على هذه الحرب.  



تعاملت الحكومة الإسرائيلية الحالية من خلال هذه المعركة مع أرواح الفلسطينيين ودمائهم باستهتار مستفز، بعد أن جعلتها قرباناً لدعايتها الانتخابية في الانتخابات القادمة. فقد اعتبر عدد من المحللين الإسرائيليين أن قضية الأمن تعد نقطة ضعف تعاني منها حكومة لابيد الحالية، وهو ما استوجب وضع الحكومة الحالية لخطة تحسن من خلالها وضعها الانتخابي. جاءت جولة القتال الأخيرة يوم الجمعة الماضي بمبادرة إسرائيلية، رداً على تهديد كلامي من قبل حركة الجهاد، بعد اعتقال باسم السعدي قائد الحركة في الضفة الغربية بشكل مهين يوم الاثنين من الأسبوع الماضي. تحركت إسرائيل في أعقابها ذلك باتخاذ اجراءات أمنية مشددة على طول الحدود مع غزة، وبدأت في اغلاق المعابر منها وإليها، ورغم تدخل مصر للحد من التوتر، وحصولها على وعود من حركة الجهاد بتجميد رد مباشر وفوري، قامت إسرائيل باستهداف تيسير الجعبري، بعد أن فشلت محاولاتها لاستفزاز حركة الجهاد كي تبدأ المعركة. أظهر عدد من استطلاعات الرأي التي جاءت بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار قبل إيام حصول حزب لابيد على مقاعد إضافية وتزايد شعبيته، وتراجع شعبية نتنياهو وعدد مقاعد كتلته، مقارنة مع الفترة التي سبقت جولة القتال الأخيرة على غزة. ويبدو أن إسرائيل لم تكن معنية باستمرار المعركة واطالة أمدها، فقد أعلن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر يوم الإثنين الماضي بأن العملية العسكرية في غزة حققت أهدافها، وذلك في سبيل الحفاظ على إنجازاتها، بعدم دخول حركة حماس إليها، وهو أمر يبقى مرهوناً بمدى تطور أحداث المعركة.  


نجحت إسرائيل بتطوير قوة الردع الصاروخي لمواجهة صواريخ غزة، في حين عملت على تقليص القدرة الهجومية الصاروخية الفلسطينية من خلال إحكام الحصار في البداية ثم بعد ذلك من خلال تطوير أنظمة التتبع والرصد والمتابعة. وعكست تفاصيل هذه المعركة هذه الحقيقة بوضوح، فبينما كان الوصول إلى الأهداف الفلسطينية سهلاً يسيراً في هذه المعركة، وكانت الصورايخ الفلسطينية محدودة التأثير، أعلن جيش الاحتلال عن نجاح نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي في تحقيق تطور جديد في أدائها، مقارنة بجولات القتال السابقة. ومن الجدير ذكره أن هذه المنظومة بدأت إسرائيل في تطويرها في عهد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وجرى اختبارها لأول مرة في العام ٢٠١٠، وأعلن عن استخدامها في العام التالي، وباتت تحقق تطوراً ملحوظاً في كل جولة قتال تالية مع غزة. وفي زيارة جو بايدن الأخيرة، تعهدت الإدارة الأميركية الحالية بدعم تطوير المشروع الصاروخي "الشعاع الحديدي"،  وهو نظام متطور يعمل بالليزر لإسقاط الصواريخ الفلسطينية، إلى جانب نظام القبة الحديدية، ليزيد من فعاليتها، والذي قد يغير مستقبلاً من قواعد اللعبة.