مرضت "المَدام"،واحتاجت لنظام غذائي خاص، فقال لي الطبيب: "عليك ياحبيب..أن تحضر لها فروج، وتصنع لها حساءاً بالأرزّ ممزوج"، فقلت في قرارة نفسي: "فداء قَرّة عينيّ وأُنسي"، وعلى عَجلٍ ركبتُ دراجتي الهوائية، وقصدت السوق بسرعة نارية، وفي جيبي مالٌ يَعُدُّ من الآلاف عشرين، و النيّة أن أشتريَ فروجاً سمين.

دخلتُ محل الفروج بقوة قلبٍ وعقلٍ رزين، وقلت للبائع: "زن لي فروجاً سمين". فقال لي: "تِكرم" والفرح بادٍ عليه، وجلب أكبر فروج لديه، فسألته عن وزن الفروج بالتمام، فقال: "اثنان كيلو وثلاثمائة وخمسين غرام"، فقلت له: "ماسعره؟ فهو الطلب" ، فشمر أكمامه، وامتشق الآلة الحاسبة، و"جمع وطرح وقسّم وضرب"، وقال: "واحد وأربعون ألف ليرة سورية"، فنزلت عليّ إجابته كقنبلةٍ ذرِّية، وسألته مصدوماً: "ليش الكيلو... بقديش؟"، قال: "سبعطعشر ألف وخمسمية ليرة... مابتعرف، ليش؟!!..".

 فقلت له: "ستين عمره ما يتاكل، ومن شو بتشكي المجدرة؟"، وهربت إلى بيتي " إيد من قدام وإيد من ورا"، وكذبت على زوجتي وقلت لها: "ما لقيت اليوم فروج"، وكنتُ بيني وبين نفسي من الكذبة مزعوج.. فراتبي لايشتري دجاجتين ليس إِلّا،  كيف ياترى يعيش من يعاني القِلّة؟...

ما سبق ليس مقطعا من مسلسل "مرايا" أو "بقعة ضوء"، إنها من كوميديا الواقع السوري الأسود، قصة حصلت مع موظف من #السويداء.. لم يسبق له أن رأى "فروجا" يطير من قبل، ولكن بعد أن ذهب إلى السوق رأى بأم عينه أن "الفروج المذبوح" لايطير فحسب... بل يحلق عاليا مبتعدا حتى عن أحلام الفقراء وذوي الدخل المحدود.

ولو خطر في بال المواطن النظر في النشرة التي رصدتها شبكة الراصد، لوجد أن سعر كيلو "الفروج المذبوح" قد سجل 17800 ليرة، بينما سعر كيلو "الشرحات" 27000 ليرة، و سعر كيلو "السودا" 22000 ليرة، و "الدبوس" 18500، و "الكستا" 19000، و"الوردة" 18000، و"الفخذ" و"الجوانح" 14000، أما "الشاسيه" وهو عظام القفص الصدري والرقبة 4000 ليرة.

فيما أصدرت جمعية حماية المستهلك، قبل أسبوعين تسعيرة جديدة ، سعرت فيها كيلو "الفروج المذبوح" بـ16500 ليرة، وكيلو "الشرحات" بـ 25000 ليرة، أي أن الأسعار جاءت بشكل تقريبي بفارق بين 2000 و 4000 ليرة عن واقع الأسعار في السوق.

ورغم هذه الفروق بين التسعيرة التموينية، وتسعيرة السوق، إلا أنها تبقى فروقا طفيفة، ولاتناسب دخل المواطن، وبالكاد تسد واحد بالمئة من الفجوة الهائلة بين دخله و مصروفه.

يذكر أن سعر الفروج المذبوح ارتفع خلال آب الماضي بنحو 62%، ليقفز من 8000 ليرة إلى 10000 ليرة ثم 13000 ليرة في فترة لاتتجاوز 15 يوما، ليرتفع قبل يومين بنسبة 37% بالنسبة لشهر آب، مسجلا 17800 للكيلو الواحد.

فهل ياترى سيكفي الراتب لشراء كيلو واحد قبل نهاية العام، إذا استمر الفروج بالتحليق؟